بقلم: المهندس مدحت الخطيب
لم أكن أعلم من قبل من أين أتت نفسة
الريش لهذا الكائن الحي والمتعارف عليه فيما بيننا بالديك الرومي، رغم صغر حجمه
وقلة مكانته عندما يأتيك وجهاً لوجه وهو نافش ريشة تشعر وكأنه يردد مقولة "يا
أرض، اشتدي ما عليكي حد قدي"، رغم ذلك فهو بلا هوية ولا عنوان ولا يُذكر إلا
على موائد الطعام يغيب ويعود في العطل الرسمية والأعياد.
له في كل قطر أغنية: ففي الولايات
المتحدة يسمونه "الدجاج التركي"، وفي تركيا يسمونه "الدجاج
الهندي"، وفي الهند "الدجاج البيروفي" (نسبةً للبيرو)، وفي وطننا
العربي يُعرف بالديك الرومي (نسبةً لبلاد الروم الأناضول أو تركيا المعاصرة) أو
ديك الحبش (نسبةً للحبشة)، في روما يسمونه "الدجاج الفرنسي"، والفرنسيون
يسمونه "الدجاج الهندي"، في حين تشير الدراسات إلى أن أصله ليس من أي
بلد من هذه البلدان جميعاً ولا يمثل أهلها…
مع اقتراب الاستحقاق الدستوري
للانتخابات النيابية كَثُرت العينات التي تتطابق في جيناتها مع الديك الرومي، فكم
من مرشح متلون متقلب نافش ريشة أصبح يطفو على السطح ويخرج علينا في بيان انتخابي
رنان يصلح أن يكون خطاب نصر للفاتح صلاح الدين، يشق لنا الطرق وجهز لنا المطارات
والقطارات ، ويعالج مشاكل الإسكان وينعش الاستثمار ويوقف العجز في الميزانية ويسد
لنا المديونية ويقضي على البطالة ويعالج مشاكلنا الصحية والتعليمية والأخلاقية،
مع الاقتصاديين أبو الاقتصاد ومع
الشيوخ حمامة مسجد ومع الرياضيين رياضي من العيار الثقيل ومع الفنانين أبو الفن
ومع المهندسين أبو الهندسة ومع الأطباء طبيب جراح يعالج مشاكل البلد وينهي
أمراضها…
تجد في بيانه الانتخابي المُدجج
بالكلمات الرنانة شعارات ووعود ينقلنا بها إلى مصاف الدول المتقدمة، فهو يمتلك عصا
سحرية لحل مشاكلنا ومصباح علاء الدين لتلبية أمنياتنا، شعاره المعلن: «لا للإقصاء
ولا للتهميش ولا للتبعية والوطن فوق الجميع»
عندما تجالسه تتبدل أفكاره حسب القعدة
والجمهور والمراقبين، مع أهل اليمين يميني ومع اليساريين يساري ومع الوطنيين وطني
كح ومع المعارضة معارض شرس وفي الغرف المغلقة يكون سيد من انبطح، يتقلب من أقصى
اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين بلمح البصر
أحدهم ذات يوم قال أوصلوني إلى عمان
وسأتكفل لكم باللصوص فصدق الشعب شعاره وأوصلوه إلى عمان وبعدها زادت اللصوص
وتضاعفت المديونية ولم يحرك ساكن
وشخص آخر اوصلناه ومن فوق( البكم) حين
كان يردد خطابات رنانة عن الإصلاح والتغيير والمشاركة والقضاء على الفاسدين
ومحاسبتهم. فاكتشفنا أن "منصات الخطابة" أصبحت الواجهة الحقيقية لإنتاج
مقاعد مجلس النواب وليست لإنتاج النخب.
وغيرهم أصبحوا تجار شنطة وعربين فساد
ومخلصي قضايا؛ ومعاملات ومشاريع وسمسرات مهمتهم الأساسية تكمن في تخليص أصحاب
المال المتعثرين من أي مشاكل في المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وبعدها يساومونهم
على مبالغ كبيرة ولا يقبلون بأقل من سيارة (بشمعها) موديل سنتها.
أمثال هؤلاء كم يشبهون ديك الحبش؟! فلا
وطن لهم لا عنوان. "يحللون ويحرمون حسب مصالحهم، الوطن بالنسبة لهم فندق خمس
نجوم وكل ما فيه مباح، ينسون وجودنا كمواطنين حين يوزعون بينهم ثروات الوطن؟
ويتذكروننا فجأة حين يحتاجون إلى عرض احتفالي لإثبات شرعيتهم؟" مفهوم الوطن
لديهم هو ضرب على الطبول ورقص بالشوارع والطرقات وشعارات رنانة أمام الكاميرات ويتبعها
تخوين للمختلفين معهم أو المعارضين لسياساتهم.
في الختام أقول لأمثال هؤلاء: صدقوني
أننا أخذنا من حب الوطن ما لن نحسد عليه، فالوطن لنا علاقة وجودية فيها من الولاء
عنوانًا ومن الحب إفراطًا، ولاءَنا من المهد الى الحشر ولم ينحصر
يوما في الأفراح والمسرات والمناسبات
العامة،
الوطن بالنسبة لنا ليس أشخاصا ولا أعيادا ولا
كراسي ولا مناصب ولا شعارات براقة نرددها تَعودا أوخوفا،
الوطن لنا ليس صورة ولا عملة أو طابعا
بريديا، الوطن لنا ليس ارضا ولا بحرا ولا سماء ولا ثروات طبيعية ،
الوطن لنا ليس حدودا ولا سدودا ولامشاريع
؛
الوطن هو أنا وانت وابي وأمي وأخي
وزوجتي وأختي وصديقي وأهل قريتي وعشيرتي هو الحي الذي اسكن فيه والمدينة التي
أتنفس هواها والشوارع التي أحافظ على نظافتها والمقدرات التي لا اعبث بها او
ابيعها ،
الوطن هو أن نحيا بكرامة ونتساوى أمام القانون
في الحقوق والواجبات؛
اللهم قيّض لنا مجلس نواب صادق أمين كل
من يدخله يكون فذًّا لينهض لخدمة الوطن والمواطن وحتى يبصِّر الشعب ذلك عليهم
باختيار القوي الامين ومن يقف مع الوطن والمواطن قولا وعملا