بقلم: اياد خالد الشوربجي
بعد صعود التيار الشعبوي ووصول ترامب للحكم في الولايات المتحدة؛ وعلى الرغم من عدم كفاية الفترة الزمنية للاختبار؛ إلا أن ملامح السياسة الأمريكية في المنطقة بدأت تتضح بشكل أكبر من خلال مجموعة من الشواهد والمؤشرات. منها ما هو مرتبط بالتصريحات والآراء التي صدرت عن شخوص الإدارة الجديدة, ومنها ما هو مرتبط بالسلوك الفعلي والقرارات التي تم اتخاذها حتى الآن, فضلاً عما يرتبط بالخلفيات الفكرية والطبقية لمسؤولي الإدارة الأمريكية. تبدو مقاربات إدارة ترامب وتوجهاتها في الشرق الأوسط أكثر التصاقاً واندفاعاً إلى الكيان الصهيوني, وأكثر تناغماً مع حكومته اليمينية المتطرفة, وأكثر تبنياً لسياسات الاحتلال الاستيطانية التهويدية الإحلالية. يأتي ذلك في ظل تراجع واضح للقضية الفلسطينية في سلم الاهتمام العالمي, لأسباب متعلقة بالحالة الفلسطينية والحالة العربية والإسلامية الغنية عن الوصف, فضلاً عن حالة المجتمع الدولي وطبيعة التوازنات الحاكمة فيه. كما أن إدارة ترامب باتت أكثر تماهياً مع الدكتاتوريات العربية, وأكثر ميلاً للتعامل البرجماتي والنفعي بأعلى درجاته, في ظل حكم رجل المال والصفقات. مستفيدة من حاجة هذه الدكتاتوريات لتثبيت حكمها المُهدد بحركات الشعوب أو بالدول المنافسة في الإقليم؛ لاستعادة القوة في تبعيتها للحليف الأمريكي. في المقابل لا تضع هذه الإدارة في حساباتها أي اعتبار لشعوب المنطقة, عدا (الشعب الإسرائيلي) بالطبع! وبالتبعية تتساقط الكثير من القيم والشعارات التقليدية التي تعودنا على سماعها من الأمريكان, مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. كما باتت معاداة الإسلام بتياراته السياسية؛ الصفة السائدة للسلوك الأمريكي الحالي, الذي يندفع بشكل أكبر لمحاربة ما يسمى بالإرهاب (الإسلامي) تحديداً.
بينما تبدو إدارة ترامب أكثر تناغماً مع روسيا, التي اندفعت بثقلها إلى المنطقة عبر البوابة السورية وكذلك الليبية بدرجة أقل. أما فيما يتعلق بإيران فقد أعلن ترامب غير مرة أنه بصدد إعادة النظر في التقارب الأمريكي الإيراني الذي رسخته إدارة سلفه أوباما عقب الاتفاق النووي, يأتي ذلك على الأرجح في سياق ضبط الحالة وإعادة التوازنات في المنطقة, عقب الاندفاع الإيراني الكبير في المنطقة.
إلى ذلك, يبدو ترامب أكثر جرأة وحسماً, وأقل تردداً من سلفه أوباما, ربما تجلى ذلك بعد القصف الأمريكي الأخير ضد أهداف للنظام السوري, مع عدم إغفال أن إدارته يتركيبتها الحالية؛ من أكثر الإدارات تطرفاً وتنكراً القضايا العربية والحقوق الفلسطينية. في ظل هذا الواقع يجري الحديث عن سعي الولايات المتحدة لفرض تسوية للقضية الفلسطينية (صفقة القرن), والتي تساهم فيها أطراف اقليمية. وبطبائع الأمور فإن هذه المساعي لا تخرج عن التصور الصهيوني, ورؤية نتنياهو حول ما يُسمى بالسلام الإقليمي. كل ذلك يجري في بيئة إقليمية ودولية معقدة ومعادية إلى حد بعيد.
لذلك ينبغي أن تكون الحسابات في هذه المرحلة أكثر دقة وأكثر تفحصاً للواقع والمعطيات, وأن يتم صياغة مقاربات جديدة, تتعاطى وتتناغم مع متغيرات المرحلة, وتتفادى الانعكاسات الخطيرة من قبل المنظومة الدولية التي تهيمن عليها لغة القوة والمصالح.