بقلم: د. زيد أبو زيد
الثابت في صراع الإقليم الشرق أوسطي
أنَ الاستعمار وقوى البغي والعدوان هي من أججت لهيبه وزادت اشتعاله عندما غادرت
المنطقة مؤقتاً في منتصف القرن الماضي وخلفت وراءها تركة ثقيلة من الخلافات على
الأرض والمياه والحدود غير المرسمة ناهيك
عن السرطان الصهيوني التوسعي الذي يخوض حربًا اجرامية شرسة على فلسطين وقطاع غزة
هذه الأيام والذي ارتقى على اثرها عشرات الآلاف من سكان قطاع غزة حياتهم شهداء الى
جانب عشرات الآلاف من الجرحى وبقي الاف تحت ركام البيوت والمساجد والمستشفيات
والكنائس التي محيت عن وجه الأرض في ظل
صمت عالمي وعجز وازدواجية المعايير التي خرج عن سياقها بعض القادة ومنهم جلالة
الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه لله الذي يقاتل لتحقيق سلام يحقق حلم الفلسطينيين
بدولة مستقلة وعاصمتها القدس ورفع الظلم عن شعب فلسطين ومنع التهجير القسري
والتهويد والتشريد ومنع المساعدات الاغاثية والطبية والانسانية بشكل عاجل وفتح
المعابر الى غزة بشكل مستدام وارسال المستشفيات الميدانية الى غزة ونابلس وتزويدها
بحاجتها براً وجواً.
وعود على بدأ فمنذ عقود والدول
الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ترابط في الشرق الاوسط وتأبى مغادرتها وترك
أهلها يحلون قضاياهم بأنفسهم ،لارتباط هذه المنطقة من العالم بطرق التجارة الدولية
من البحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن وخليج السويس ومنابع النفط، بل أنَ الصراع بين هذه الدول الأوروبية
الاستعمارية على النفوذ في هذه المنطقة عكس نفسه على الصراع في كل القارة والعالم.
وليس أدل على ذلك من الحرب في أوكرانيا والسودان وصراعات البلقان ودول الساحل
الافريقي ، فلا الدول الأوروبية غادرت عقلية الطامع ، ولا العرب وغيرهم استطاعوا الإستقلال بقرارهم عن مراكز القرار
الأوروبية ومن ثم الامريكية فزادت محنتهم
وفقرهم ، وتفشت فيهم مظاهر الأزمات، مما شكل مدخلاً وحجة للتدخلات الأوروبية
والامريكية بعد ذلك، ورغم ان العقلية
العربية عقلية تحرريه دفعتها لأطلاق
الثورة العربية الكبرى وحروب التحرر الوطني ، الا
ان هذه المعركة التحررية وأدوتها شتت جهودها حب السلطة من جانب وطمع
وتدخلات الغرب من جانب اخر.
أما الآن فقد تصاعد الاهتمام الدولي
والإقليمي بمنطقة الشرق الاوسط بصورة ملحوظة وذلك في إطار أهمية هذه المنطقة
جغرافياً واستراتيجيا باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية. وليس أدل على ذلك من
أزمة باب المندب، حيث تشرف معابر المنطقة
العربية على مناطق إنتاج ونقل
البترول والتجارة العالمية، وقد أعادت الولايات المتحدة الأمريكية صياغة منطقة
الشرق الاوسط من الناحية الجيواسترإتيجية لتعكس حقيقة سياسات الهيمنة والنفوذ ، و
تم في هذا السياق إعادة تشكيل مفهوم الشرق الأوسط الكبير ليعبر عن المصالح
السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية للدول الغربية والولايات المتحدة
الأمريكية، بالإضافة إلى منطقة الخليج العربي، وعقب هجمات الحادي عشر من
سبتمبر/أيلول دفعت الإعتبارات الأمنية ببعض أدبيات التفكير الإستراتيجي الغربية
إلى التوسع في استخدام مفهوم الشرق الأوسط الكبير ليشمل اليمن ، ولكن وبسبب
الاستغلال والظلم العالمي للإنسان الشرق اوسطي العربي وعقدة الصراع العربي
الصهيوني، والفرق الواضح في المداخيل بين اقطار الإقليم والفقر والبطالة تفجر
التطرف والتعصب والطائفية والإقليمية وعبرت عن نفسها بصور متعددة من الفصائل والتنظيمات
المتطرفة ساهم الغرب نفسه في تشكيل أساسياتها في زمن الحرب الباردة والصراع في
افغانستان ومن ثم التدخل في الديمقراطيات الناشئة ومحاولة لي عنقها وأمركتها او
قولبتها عبر إنموذجًا غربيًا مشوهًا، وسوء إدارة ملفات التعليم والاعلام والثقافة
والتربية ليتفجر ذلك كله عنفاً يجدد نفسه من وقود الظلم.
وهكذا للأهمية الاستراتيجية للشرق
الاوسط، وكذلك لأسباب أخرى ثقافية وسياسية ازدادت التدخلات الدولية من أجل السيطرة
والنفوذ، و هو ما حدد بشكل كبير تطور الأحداث ومآلها في المنطقة حتى تفجر الآن
عنفًا لا يستطيع احد معرفة نهاياته كاحداث
ووقت، بيد أن درجة ومستوى هذه التدخلات تباينت من فترة زمنية إلى أخرى، ولا أدل
علي ذلك من أن الشرق الأوسط الكبير ارتبط
ارتباطا وثيقا بالصراع العربي الصهيوني حتى إن بعض المحللين اعتبره جزء من منظومة
الإقليم ما فوق الاقليمي أي الصراع العالمي مفتوح النهايات، وهكذا فقد اجتذبت هذه
المنطقة الحيوية قوى دولية أخرى على رأسها روسيا والصين والهند إضافة إلى قوى
أوروبية ذات مصالح تقليدية والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن التنافس الدولي على الثروة والنفوذ في
الشرق الاوسط قد أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إضفاء مزيد من التعقيد والتشابك
على مجمل الصراعات التي تشهدها المنطقة، ولعل إشكالية الملفين السوري والعراقي الى
جانب اليمني والليبي وتعقيدات الملف اللبناني والصراع العربي الصهيوني تعكس حقيقة هذه الطبيعة المعقدة لمنظومة صراعات
الشرق الاوسط
وما زاد الطين بلة أنْ دخلت الولايات
المتحدة إلى المنطقة بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، آمله بتحقيق نوع من
النفوذ هناك، والحلول محل النفوذ الاوروبي، وفي إطار جعل تلك المنطقة منطقة نفوذ
وقواعد عسكرية، وبخاصة وان بريق النفط والذهب والغاز الطبيعي في المنطقة إلى جانب أنَ
دول الشرق الأوسط تتملك احتياطيات كبيرة
من المعادن التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية مثل الكوبالت واليورانيوم,
فوضعت وأسست قواعدها العسكرية هنا وهناك في منطقة الشرق أوسط، بل وساهمت بشكل
مباشر بتدمير أنظمة سياسية وقوى كانت ستشكل خطر عليها وعلى مشروعها في المنطقة
ولنا في النموذج العراقي والليبي وتفكيك سوريا والسودان خير مثال.
وتبع التدخل الأمريكي بل جاء مترافقاً معه
وداعماً له التدخلات الصهيونية ، فازدادت الأزمات واشتعلت المنطقة وأصبحت ناراً
ملتهبة، وبدأ عصر جديد من الصراعات في هذه المنطقة التي كان المنطق يقول إنها أهدأ
بقاع الدنيا فهي مهبط الرسالات وفيها أقدس الاماكن وثقافتها ودينها الإسلامي دين
الرحمة والعدل والمساواة والتسامح، لكنها مع بدأ الإستراتيجية الصهيونية والأمريكي
في تنفيذ برامجها في المنطقة من هذا المنفذ الخطير شديد الأهمية أصبحت أكثر بؤساً
وتطرفا، ولنا بحروب الصهاينة على غزة بشكل خاص كونها المنطقة الوحيدة الي أبت أن
تتحكم فيها إسرائيل وتنشر مستوطناتها وعلى الضفة الغربية في فلسطين بشكل عام
الإثبات على توضيح رؤية واستراتيجية الكيان المحتل وأمريكا للمنطقة إذ بحربهم على
غزة يحاولون تهجير أهلها منها إلى مصر،
واستفزازاتهم وعنجهيتهم في الضفة الغربية ما هي إلا وسيلة لتهجير أهلها إلى
الأردن بهدف محاولاتهم لتوسيع أراضيهم بل أقول سرقة المزيد من الأراضي التي لم تكن
لهم ولن تكون لهم الأن او مستقبلا من أراضي فلسطين وما حولها.