بقلم: المهندس مدحت الخطيب
إن الأسطورة التي خطتها إسرائيل لنفسها
لسنوات خلت فصدقها القريب قبل البعيد، والعدو قبل الصديق وتباهيها وعجرفتها لسنوات
«بجيشها الذي لا يقهر» أصبحت أضحوكة أمام الجميع، وباب من بواب التسلية والضحك
والهراء للمحللين والكتاب والمغردين، وما كان ليتحقق ذلك لولا معركة طوفان الأقصى
والضربات المؤلمة التي تلقتها سياسيا وعسكريا من قبل أبطال غزة.
هذه الملحمة البطولية الأسطورية التي
قوضت وهماً مسلما به بأن موازين القوى لا تكسر ولا تتبدل، وأن الكف لا تستطيع
ملاطمة المخرز...
اليوم تجد قادتهم يتخبطون في قراراتهم
يتحدثون بلغة الانتقام فقط، ولا لغة سواها للتغطية على فشلهم الذريع، فاستخدمت
القوة بكل ما فيها من حقد وجبروت وتدمير وقتل وانعدام للإنسانية وحتى للمواثيق
الدولية وأخلاق الحروب، فدمرت صوامع وأسواقا وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله،
دمرت المستشفيات على رؤوس المرضى والمصابين، قُطعت عن غزة والتي يسكنها قرابة
المليونين من البشر الكهرباء والماء والدواء والاتصالات ولو قدر لهم لقطعوا عنهم
حتى الهواء.
إن الناظر إلى للممارسات الإجرامية
التي يقوم بها أراذل الأمم من بني صهيون ضد الأطفال والنساء وحتى الشجر والحجر
جاوزت كل الحدود، وحطمت كل الأعراف والقيود، فلم يسلم من أدوات قتلهم أحد، وما
تحقق لهم ذلك لولا الصمت المطبق للعالم أجمع وهذا الغطاء الظالم الممنوح لهم من
الغرب وحتى من بعض أبناء جلدتنا...
في حديث متلفز قال توم بورتيوس، نائب
مدير البرامج في هيومان رايتس ووتش، إن رد فعل واشنطن والعواصم الأوروبية إزاء ما
تقوم به إسرائيل في غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول هو الصمت والخذلان،
واتهم بورتيوس الدول الغربية بالنفاق وانتهاج معايير مزدوجة في التعاطي مع الحرب
في أوكرانيا والحرب على غزة على نحو واضح وصارخ. وحذر من أن ذلك من شأنه تقويض ما
حققته المنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان وبعض الدول خلال سنوات من العمل
المضني لتعزيز وتوحيد المعايير المصممة لحماية المدنيين المحاصرين في مناطق
النزاعات حول العالم...
نعم إن ما يحصل في غزة اليوم يؤشر على
أننا نستفتح عهدا تاريخيا جديدا، يؤكد لنا وللعالم الحر ودون أدنى شك أن سعي الغرب
لفرض نمطه الحضاري لا يدخل في إطار حرصه على إعلاء قيم أخلاقية، بل من حرصه فقط
على مصالحه الضيقة الدنيئة ودفاعه عنها لا أكثر، هذا الإخفاء الذي مورس علينا
لسنوات والذي أصبح اليوم يمثل وجها قبيحا لا بل أكثر وجوه الكذب بشاعة على الإطلاق
...
في الختام أقول غزة مدينة تحت الأرض
علمت الاحتلال درسا لن ينساه، وسطرت معركة طوفان الأقصى تاريخا جديدا وعنوانا يدرس
للنضال الفلسطيني المستمر منذ عقود، وأعطت لنا درسا ولكل أحرار العالم مفاده، قد
تقهر الجيوش شعوبها أو شعوب غيرها، وقد تدمر الآلة العسكرية كل شيء، ولكن كلما
أشتد القهر والظلم والقتل حتما سيتحول الإصرار على الاستقلال والتحرر إلى وقود
لثورات ضد المحتل متتالية تنتقل جيلا بعد جيل، تكون أشد أعنف من سابقاتها..
علمتنا غزة أن رياح النصر لا تأتي إلا
– عبر الإرادة الصادقة للشعوب – فلا يمكن مصادمتها أو الالتفاف عنها، أو الانقلاب
عليها، وأن التاريخ احتفظ بقاعدة أزلية مفادها: أن إرادة الشعوب لا تقهر وأن النصر
آت لا محالة، فهل يدرك العدو الصهيوني هذه الحقيقة ؟؟؟
أم سيأتيهم النصر من سماء غزة وهم في
غفلتهم يعمهون..قولوا آمين آمين.