بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران
كان "ليفي شتراوس" من بين آلالاف هاجروا من ألمانيا إلى سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة في العام 1853م بعد إكتشاف كميات كبيرة من الذهب فيها لعلهم ينالوا نصيباً منه، لكنه لم ينجح في تحقيق مراده وتدهورت أوضاعه المادية كثيراً، إلا أنه بقي باحثاً عن تحقيق هدفه بالنجاح في حياته، فخاض تجربة جديدة في تصميم سراويل من الخيش البني القاسي، وبدأ يخيط منها سراويل شديدة التحمل أطلق عليها إسم "شتراوس جينز"، وبسبب متانتها العالية ومناسبتها لأعمال المناجم أقبل على شرائها الكثير من العمال فانتشرت بسرعة وتحول هو لعالم الأثرياء بل وصاحب إبتكار ما عرف ببنطال "الجينز" بعد ذلك، ولكننا نسينا أن نقول أن ذلك حدث بعد عشرين عاماً من عدم نجاحه في الحصول على الذهب !
كذلك فعل أحد الشباب في بلادنا العربية والذي تروي قصته كيف كانت أمنيته الوحيدة دخول كلية عسكرية معينة تقدم لدخولها عدة مرات بلا فائدة، وفي المرة الوحيدة التي تلقى فيها قبولاً مبدئياً لم يوفق في إجتياز إمتحانات القبول، لكنه وبرغم حالة الإحباط التي أصيب بها لم يخجل من التحول إلى تجارة الملابس التي كان يعرفها جيداً، والتي وأصبح من خلالها يدير تجارة تقدر بالملايين بجهده وتعبه وقوة إرادته وبعد سنوات قليلة فقط من ذلك !
بمثل هذا التفكير الايجابي الباحث عن النجاح ولو بداخل ثقب إبرة يمكن تحويل بركة المياه الراكدة إلى بحيرة تتألق روعة وجمالاً باذن الله، ويروى عن الزعيم الهندي غاندي أنه كان يركض مسرعاً ذات يوم للحاق بقطار كان قد تحرك فعلاً، وأثناء ركضه محاولاً اللحاق بالقطار سقطت فردة من حذاءه فقام بخلع الفردة الأخرى وألقى بها باتجاه الفردة التى سقطت مكملاً طريقه حافي القدمين، وعلى عكس المتوقع لم يغضب غاندي ولم يحاول إلتقاط الفردة التى سقطت لأنه يعلم أنه لن يستطيع بلوغها ولا يريد لها أن تعيقه عن محاولة الوصول إلى هدفه، وعندما سأل عن سبب تصرفه أجاب أنه فعل ذلك لأجل إن وقع الحذاء في يد فقير أن يتمكن من الانتفاع به بشكل جيد !
"شخصياً كنت سعيداً باقامتي هناك، أما مهنياً فلم يكن الأمر كذلك. فأنا لم أكن حتى ذلك الوقت قد سويت خلافاتي مع بعض كبار الضباط الذين كانوا مصممين على إفساد مسيرتي المهنية في الجيش، والذين كانوا أعطوا التعليمات لمرؤوسيهم بأن يضعوا المتاعب والعراقيل في طريقي، حتى أن السنة التي أمضيتها في الزرقاء كانت خلالها السرية التي أقودها تلقى إليها واجبات ومسؤوليات إضافية وتتعرض أكثر من سواها لحملات تفتيشية مفاجئة."
سطور نقتبسها بعد توقفنا عندها طويلاً قبل أيام ونحن نقرأها في الصفحة 95 من كتاب "فرصتنا الأخيرة" لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الصادر في العام 2011م، وكيف كان تصميم الملك على مواصلة طريقه في الجيش حتى النهاية برغم شعوره بالاحباط في بعض المرات بل ورغبته بمغادرته بحسب ما يذكر في الكتاب، لكنه قرر أن يكون أقوى من الظروف التي يمر بها، حتى شاءت الأقدار أن يصبح بعدها ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وربما يكون هذا دليل إضافي على أنه لا يوجد إنسان في هذا الكون لا يتعرض لضغوط أو مصاعب في حياته، لكن هناك من يقف في وجه هذه المصاعب ولا يستسلم لها، وهناك من يقبل أن تسجل هذه المصاعب الأهداف في مرمى حياته الواحد تلو الآخر وهو واجم مهزوم لا يتحرك.
ولنتذكر عند مواجهة ما يعيقنا عن الوصول لأهدافنا أو يبطأ مسيرتنا نحوها أن علينا التخلص من هذه العوائق أو تجاهلها على أقل تقدير، حتى لا يتشتت تركيزنا على الأهداف الكبيرة في الحياة إن كنا نريد فعلاً أن نكون سطراً مضيئاً فيها.
فحياتنا ماهي إلا ثمرة نزرع بذرتها بأيدينا، فان رأينا فيها جابناً سيئاً فلا ننسى عشرات الجوانب الجميلة الأخرى فيها أما الجانب السئ فعلينا نحن قبل غيرنا إصلاحه وتصحيح الخطأ فيه، وإن كنا نتطلع لثمرة طيبة نقطفها من شجرة حياتنا يترتب علينا لأجل الثمرة الاعتناء بالبذرة وبالشجرة بعدها وقبلهما بالتربة التي سنزرع بها البذرة وبكل التفاصيل الدقيقة الأخرى، وتغليف كل ذلك بالصبر والإيمان والتصميم والإرادة القوية لنحصد أطيب الثمر باذن الله تعالى، فليس هناك شجراً يطرح ثمراً من اليوم الأول، وسطور التاريخ تزخر بما يؤكد أن "الصبر" كان كلمة السر في الكثير من الأحيان التي وصل فيها أكثر الناجحين لأهدافهم، في مقابل "الاستعجال" الذي كان كلمة السر السحرية في حياة كثير ممن لم يوفقوا في بلوغ هذه الأهداف.
minoxidil bio-h-tin
link minoxidil bio-h-tin