بقلم: د. رأفت حمدونة
قوى وصلب كشجرة السنديان ، عتيق يعشق الأصالة ، ويتميز بالشهامة والأخلاق العالية ، مشهور بالنظرة الحادة ، والأفق الواسع ، والرؤية السليمة ، يختار الكلمات بعناية بلا جرح ، محاور ولديه لغة وطنية وأخلاقية عالية ، كثير الأدب ، عميق وله انتماء لفلسطين والتراث وكل شىء قديم وجميل ، يستمع أكثر مما يتحدث ، ويعطى تركيز كامل للآخر ، وطنى بامتياز ، متفائل لا يعرف اليأس .
قصته بدأت منذ الصغر ، ومتواصله لحتى اللحظة بلا نهاية ، عاش حياته متنقلا من زنزانة إلى زنزانة ، ومن معتقل إلى معتقل ، أصبح حديث الوطنيين والمخلصين ، وعلمنا الكثير من الصمود والصبر والتحدى والانتماء ، لم يخلع ملابس الاعتقال تحدياً للسجان متشبثاً بحقوقه ، ودرس الاتفاقيات الدولية واستند اليها ، وتعرف على حركات التحرر العالمية وتجربتها .
أمضى ستةً وثلاثين عاماً في السجون الاسرائيلية ، ودخل موسوعة "غينتيس" للأرقام القياسية كأقدم أسير سياسي في العالم ، اعتقل في الرابع من أبريل عام 1978، وتم الافراج عنه بصفقة شاليط 2011 ، وأعيد اعتقاله في يوليو/ حزيران 2014 ضمن حملة انتقامية لقوات الاحتلال في الضفة الغربية ، وأعادت المحكمة العسكرية في عوفر بتوصية من جهاز الشاباك والحكومة الاسرائيلية في الثانى والعشرين من فبراير / شباط حكمه السابق بالسجن المؤبد و18 عاماً.
توفى والده في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 ، وتوفيت أمه بنفس الشهر عام 2005 بعد زيارة له على سرير الإسعاف ولنصف ساعة فقط في سجن عسقلان بعد منع استمر خمس سنوات .
وأوصت أمه بأغنية يوم زفافه بعد الافراج عنه قائلة " في خاطري يا نائل يا دار تبنيها ، وعروس إلك يمة وأنا اللي أنقيها ، في خاطري يا نائل الحارة تمرقها ، وعروس إلك يمة أنا اللي أزوقها " .
في آخر زيارة بعد تثبيت المؤبد من جديد قال لزوجته " تم كلبشتي بخمس كلبشات اثنتين في اليدين واثنتين في الأرجل وواحدة تصل ما بين اليدين والرجلين .. كدت ان أقع على الأرض عدة مرات " .
هو الأسير الفلسطينى نائل صالح البرغوثى "أبو النور" من قرية كوبر برام الله المحتلة ، من مواليد 1957، وقد أمضى فترة شبابه ومعظم حياته في السجون والمعتقلات ، عاش كل المراحل لتجربة الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة منذ البدايات ، دفع أثماناً باهظة بصحبة رفاقه من أجل الحرية والكرامة وتحقيق معادلة الرعب مع السجان .
دين علينا ووفاءاً لسنوات اعتقالهم الطويلة ، وتضحياتهم الجسيمة ، قبل أن نزرع لهم في مدننا تماثيل للحرية ، أن نغرس في ثقافة أجيالنا عنهم ، أن هذه الأرض ارتوت بدماء الشهداء ، وأعمار ومعاناة وعذابات الأسرى والمعتقلين ، وآهات الجرحى والفقراء المحاصرين ، والمشتتين من أبناء شعبنا من أجل الحرية والقدس وفلسطين .