حمادة أبو نجمة
تشير معدلات البطالة لعام 2016 الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة إلى أن معدل البطالة بين الأردنيين قد ارتفع العام الماضي إلى معدل غير مسبوق منذ سنوات وهو (15.3%) بعد أن كان في نهاية عام 2015 (13%).
غير أننا عندما نحلل هذا المعدل بالأرقام المطلقة نجد أن عدد المتعطلين يبلغ حوالي 253 ألفاً منهم 99 ألف جامعي، وهذا رقم يحتاج إلى وقفة معمقة خاصة إذا ما علمنا أن أرقام وزارة التعليم العالي تؤكد بأن عدد خريجي الجامعات سنويا يبلغ أكثر من 61 ألف خريج، وأن مجموع المشتغلين الأردنيين يبلغ مليوناً و406 آلاف منهم 374 جامعياً فقط معظمهم يعملون في القطاع الحكومي أو شبه الحكومي، إذا أين يذهب باقي الخريجين؟.
من الواضح أن سوق العمل الأردني لا يستطيع استيعاب هذه الأعداد الهائلة من الجامعيين وأنه بحاجة أكثر إلى العمالة التقنية والفنية التي قد يكون بعضها يتطلب تأهيلا جامعيا، ومن الواضح أيضا أن معظم خريجي الجامعات إما يحملون شهادات في تخصصات لا يحتاجها سوق العمل نهائيا ولعشرات السنوات القادمة وقد سميت بالتخصصات الراكدة، أو يحملون شهادات في تخصصات يحتاجها سوق العمل ولكن القطاع الخاص لم يقتنع بمؤهلات حامليها وإمكانياتهم لضعف المناهج التعليمية التي تلقوها وعدم مواكبتها للتطورات العلمية والعملية.
ومن المؤكد أن عدد الجامعيين الذين لم يحظوا بفرص عمل هو أكبر من 99 ألف خريج، فالأردن يعتبر من الدول الأكثر انخفاضا في معدل المشاركة الإقتصادية، فمعدل النشيطين اقتصاديا يبلغ حوالي 35.5% فقط من مجموع السكان في سن العمل، أي أن ما يقرب من 65% من السكان في سن العمل لا يعملون ولا يبحثون عن عمل لأسباب مختلفة، جزء كبير منهم يعتبرون من المحبطين، أي أنهم توقفوا عن البحث عن العمل لعدم توفر الفرص المناسبة لهم وبالتالي فلا يتم احتسابهم ضمن المتعطلين عن العمل.
إذا فالفجوة كبيرة بين احتياجات سوق العمل ومخرجات التعليم العالي، وستستمر هذه الفجوة بالتوسع في ظل انحسار فرص العمل التي يخلقها سوق العمل واستمرار النهج التعليمي السائد على مستوى الجامعات والإستمرار في اعتماد تخصصات لا يحتاجها سوق العمل نهائيا، والغياب الكامل للتنسيق مع القطاع الخاص لرصد احتياجاته الحقيقية من التخصصات ومن البرامج التي تنسجم مع المتطلبات الفنية لأعماله، وأيضا في ظل غياب استراتيجيات وطنية شاملة تجمع بين السياسات والبرامج التعليمية من جهة وسياسات وبرامج التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني من جهة أخرى، هذه السياسات والبرامج التي ناقضت بعضها في كثير من الأحيان بسبب غاب التنسيق بينالمؤسسات المعنية بها على مدى العقود الماضية، ولعل مخرجات أعمال لجنة تنمية الموارد البشرية التي أوعز بتشكيلها جلالة الملك في نيسان من عام 2015 ستفتح الباب واسعا أمام توجهات جديدة بهذا الخصوص تضع حدا لتفاقم هذه المشكلة.
وقد يعتقد البعض أن الحل يكمن في الحد من التوجه للتعليم الجامعي، لكن العكس تماما هو الصحيح فالحفاظ على مستويات عالية من التعليم والتعليم الجامعي بشكل خاص في المملكة يجب أن يبقى هدفا أساسيا، ولكن ذلك يتطلب توجيه التعليم الجامعي نحو اتجاهات جديدة يحتاجها سوق العمل وتنسجم مع التطورات التقنية والتكنولوجية بشكل خاص، وهذا يتطلب التنسيق بين الجهات المعنية على مستوى قطاعي، وذلك بأن تتولى كل وزارة من الوزارات المعنية بكل قطاع من قطاعات الأعمال التنسيق بين الجهات الفاعلة للقطاع ومنها ممثلو القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية بهدف تحليل دراسات الفجوة الكمية والنوعية في القطاع من خلال الجهات المختصة، وتحديد التخصصات الراكدة والتخصصات المطلوبة في سوق العمل، وتقديم التوصيات اللازمة بشأنها ،كالتوصية بالحد من بعض التخصصات أو وقفها أوزيادة بعضها، والتعاون مع القطاع الخاص في تحديد الاحتياجات التعليمية والتدريبية اللازمة ونوعية البرامج المطلوبة لسد احتياجات القطاع، وفي سبيل ذلك تتولى الوزارة المعنية إنشاء قاعدة بيانات شاملة لقطاعها بالتنسيق مع الجهات المعنية، كديوان الخدمة المدنية، والمركزالوطني لتنمية الموارد البشرية، والمؤسسات التعليمية والسفارات ومؤسسات التدريب ودائرة الإحصاءات العامة ومؤسسة الضمان الاجتماعي وغيرها، إضافة إلى اقتراح برامج المواءمة في القطاع المعني من خلال لجنة قطاعية تشكل لكل قطاع لهذه الغاية، والتوصية بها إلى الجهات المختصة، ومن ذلك برامج التدريب لغايات التشغيل، وبرامج رفع الكفاءة المهنية، وإحلال العمالة الأردنية محل العمالة الوافدة، وتشجيع وتحفيز الاستثمار للانتشار في كافة مناطق المملكة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الدورالذي يؤديه «المركزالوطني لتنمية الموارد البشرية» ويتمحور حول إعداد دراسات قطاعية متخصصة بدأ بإعدادها منذ عام 2015 تغطي جانبي العرض والطلب على العمالة وفرص العمل في كل قطاع وتحدد الفجوة الكمية والنوعية خدمة لأعمال اللجان القطاعية، هذه حيث أنجز لغاية الآن عددا من هذه الدراسات بانتظار مراجعتها من الوزارات والجهات المعنية في القطاعين العام والخاص والمؤسسات التعليمية والتدريبية للإستفادة منها، وذلك بناء على قرار كان قد صدر عن مجلس الوزراء في مطلع عام 2015 بإنشاء وحدات في الوزارات تعنى بشؤون تشغيل الأردنيين في القطاع المعني بكل وزارة، بحيث شملت المرحلة الأولى وزارات الصناعة والتجارة والتموين، والسياحة والآثار، والأشغال العامة والإسكان، والصحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
*الأمين العام السابق لوزارة العمل