عندما ضاق سائقو الشاحنات وشركات النقل
ذرعاً بأوضاعهم الاقتصادية قرروا الإضراب، وعندها سارعت الحكومة إلى التباحث مع
نقابتهم واستجابت لمطالبهم، وحتى بعد اعتراض البعض على تمثيل النَّقابة لهم جرى الحديث
معهم وتم رفع أجور الشحن وإجراءات أخرى، وهذا حق للمواطنين والقطاعات لا ينكره إلا
متجنٍ أو مجافٍ للحق والحقيقة.
في الأردن -وربما في دول أخرى- ثمَّة
مترصدين للأزمات للولوج من خلالها إلى مساحات الفوضى لاعتبارات متباينة؛ منها ما
يتمثل في إفراغ الحقد المتراكم تجاه الدولة أو المؤسسات أو القائمين عليها، ومنها
ما يتعلق بالاعتبارات السياسية ومحاولة تعبئة الجمهور بالمشاعر السلبية تجاه
الدولة أو الحكومة أو النواب؛ لأسباب تتعلق بالثأر الانتخابي أو التعبئة
الجماهيرية لمراحل لاحقة، أو لتفريغ الحقد السياسي تجاه الدولة بسبب توجهات
عقائدية أو أسباب سياسية.
الليلة التي استشهد فيها العقيد
الدلابيح سبقها يوم عاصف من دواعي التحريض والتعبئة ضد المؤسسات وبالعلن، وخروج
قلة عن سلمية الإضراب واعتراض بعض الشاحنات القادمة من العقبة، وأثق أن معظم
المضربين لم يكونوا راضين عن ذلك، ولكن الأمر خلق جواً مشحوناً من التحشيد؛ لتوسيع
قاعدة الاحتجاج إلى مساحات أكبر من الوطن، وعزز ذلك جهد مناضلي "الفيسبوك
والواتساپ" الذي أسهم في خلق جو عدائي تجاه الدولة ومؤسساتها، فكان بالتأكيد
أحد أسباب إراقة الدم الأردني الزَّكي بأيدٍ غادرة مدانة من بين ظهرانينا في
الجنوب الحبيب.
بعدها يخرج علينا المحرّضون
والشَّتَّامون ودُعاة الفرقة والمناطقية البغيضة، وأيتام القوى المحبطة، ومحتكرو
الحقيقة أولئك الذين يرفضون الآخر فينعون الشهداء، ويتباكون عليهم وبعضٍ منهم ما
زالت أياديهم في صحن الأجنبي لا يريدون بالوطن إلا غدراً وضعفاً ورضوخاً للضغوط
الدولية وربما الإقليمية فضاقوا ذرعاً بصمود الوطن وتمسكه بالمبادئ الراسخة وفي
مقدمتها هويتنا الوطنية ونصرة القضية الفلسطينية، والوصاية الهاشمية على المقدسات
في القدس الشريف.
ما زلنا نقول: أن التعبير السلمي وفق
أحكام القانون حق دستوري يتوجب على الحكومة أن تحميه، ولكن عراك النُّخبة السياسية
والاجتماعية -إن صح التعبير- وركوب موجة حاجات الناس للانقضاض على الدولة
ومؤسساتها هو خطر قاتل على منظومة الأمن الوطني والسلم الأهلي. وعلى ذاكرة الدولة
أن لا تغفل عن هؤلاء، ورجال الدولة الذين يضعون رؤوسهم في الرمال في كل أزمة أو
حادثة يتوجب على كل مسؤول شريف أن يضعهم في نصابهم الصحيح، كما أن على الدولة أن
تفسّر سلوكها غير المفهوم تجاه هؤلاء، وذلك فقط كي يستقيم الفهم.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل
وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.