لو حاولت إجراء استفتاء بسيط بين أطياف
الشباب الأردني عن مدى حرصهم على متابعة مباريات كرة القدم المحلية نعتقد بشكل
كبير بأن النسبة الأكبر ستؤكد حرصها على متابعة مباريات المنتخب الوطني خاصة
الهامة والكبيرة منها، وإن كان ذلك تراجع كثيراً في السنوات الأخيرة، بينما ستؤكد
في المقابل عدم حرصها أبداً على متابعة مباريات منافسات الفرق المحلية!
وهنا يقفز التساؤل عن سبب عدم متابعة
المباريات المحلية برغم أن الطبيعي أن تكون هذه هي الرافد الأول للمنتخبات الوطنية
باللاعبين المميزين، ولكن من يجهد نفسه بمتابعة هذه المباريات خصوصاً الهامة منها
لفترة قصيرة وما يرافقها من أحداث ومناكفات سيعلم بالتأكيد سبب ذلك الإحجام، فيكفي
ما يرافق هذه المباريات من شحن للنفوس ومهاترات تغذي خطاب الكراهية بين الأطراف
لأجل قطعة جلد منفوخة في النهاية لإحجام أي شخص عن متابعتها.
هذا الأمر الذي أدى في النهاية إلى
اتخاذ السلطات الرسمية قرار إقامة مباراة قطبي الكرة الأردنية قبل أيام بدون جمهور
تفادياً لحدوث مالا يحمد عقباه بعد المباراة كما تعودنا في كثير منها للأسف، إلا
أن الصدمة كانت للجميع بعد أن فارق طفل صغير الحياة بعد المباراة بسبب حجر كبير تم
رميه من إحدى البنايات ليقع على رأسه وهو يحتفل مع أنصار أحد الفريقين ويفارق
الحياة رحمه الله.
وهو الموقف الذي يؤكد على أن الحل لا
يمكن أن يكون إلا بوضع حلول جذرية للمشكلة، خاصة وأنها مشكلة متوارثة منذ عشرات
السنين رافقتها محاولات عديدة من الجهات الرسمية بمنع الجمهور من الحضور وإيقاف
الناديين وغيرها من الحلول التجميلية التي لن تحل المشكلة أبداً.
صحيح أن الأمر لا يقارن بالكوارث التي
تقع في ملاعب العالم من حولنا، فقد رأينا كارثة التدافع التي وقعت في أحد ملاعب
إندونيسيا في الشهر الجاري وأدت لوفاة أكثر من 130 شخصاً بينهم 37 طفلاً كواحدة من
أسوأ كوارث كرة القدم في العالم، ما أدى في الحكومة الاندونيسية إلى قرار هدم
الملعب بأكمله وإعادة بناءه في النهاية.
كما رأينا قبل حوالي 10 سنوات الكارثة
التي وقعت في إحدى الدول العربية المجاورة وأدت لوفاة أكثر من 70 مشجعاً، وكانت
سبباً في منع السلطات حضور الجمهور في تلك البلد لسنوات طويلة.
لكننا بالتأكيد لا نريد الانتظار حتى
وقوع كارثة كبيرة تنتج عن تغذية خطاب الكراهية الذي يصاحب المباريات، ثم نأخذ
إجراءات أكثر قوة وحزماً لحل المشكلة من جذورها وليس منع مؤقت لا يؤدي إلا إلى تأجيل
حل المشكلة لا أكثر.
وأفكار الحلول كثيرة ومتنوعة وربما من
أجملها من وجهة نظرنا تلك التي تم إقرارها في المملكة العربية السعودية قبل حوالي
6 سنوات لتقليل التعصب الرياضي بين الجماهير بإقرار عزف النشيد الوطني قبل مباريات
الدوري السعودي لترى الجمهور يردد بصوت واحد نشيد وطنه قبل انطلاق المباراة مما
يعزز وحدته ويقينه بأن الأمر لا يتعدى قطعة جلد منفوخة تتناقلها أقدام اللاعبين،
ومبدأ فوز وخسارة في لعبة يفترض فيها المتعة والاثارة في داخل أسوار الملعب لا
أكثر.
وغير ذلك من الحلول مثل تعزيز
المبادرات المجتمعية المشتركة بين جماهير الفرق المتنافسة، وأفكار كثيرة غيرها
تكون سبباً في تفادي تخريج أجيال مشحونة بالتعصب والعنصرية المقيتة وجاهزة لتغييب
العقل والمنطق لأجل فريقها بغض النظر عن النتائج.