تستيقظ لتسمع عن أحدهم ممن يأخذه
كثيرون قدوة لهم وقد انتشر خبر وفاته من حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي التي
اشتهر بها بين جمهوره، وينقطع التواصل معه تماماً لتقوم الدنيا ولا تقعد لساعات
متواصلة، حتى تستنفر الجهات الرسمية وتتابع الأمر ثم يكتشف الجميع بعدها بأن الأمر
لا أساس له من الصحة وأنه ليس أكثر من زوبعة في فنجان، فذلك الشخص كان خارجاً
للتنزه مع أصدقائه لا أكثر!
ثم نرى بعدها بأيام آخر نجح في رسم
الابتسامة على وجوه الكثيرين لسنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يعلن نيته
الذهاب إلى ملاقاة الله عزوجل بحسب وصفه عبر البث المباشر، ذلك لأنه لم ينجح في
لقاء أحد المسؤولين في البلاد فقرر الذهاب للقاء أسهل بحسب تعبيره، وهو لقاء
الخالق عزوجل بتناول ما يساعده على الانتحار عبر البث المباشر!
ونجد بعدها وسائل الإعلام وقد زلزلها
خبر من وصل لأعلى القمم وتربع على مكانة القدوة في عيون الكثيرين ليقرر في لحظات
غاب فيها العقل تدمير كل ما يتعلق بحياته وحياة عائلته، وأمام كل هذا الجنون
والهرج والمرج يصبح لزاماً علينا جميعاً أن نعيد حساباتنا بمفهوم القدوة في
مجتمعنا لنعيد تعريفها بيننا، لأجل أجيال المستقبل التي نحمل أمانتها في أعناقنا،
ترى هل معيار القدوة يقف عند من اعتلى أعلى سلم المناصب بيننا، أم من جمع أكبر قدر
من الشهادات في سيرته الذاتية أم من جمع الأموال الطائلة في أرصدته أم غير هؤلاء!
من الضروري اليوم على كل راع مسؤول عن
رعيته العمل بشكل صادق وحقيقي على إعادة تعزيز مفهوم القدوة الصالحة بيننا، تلك
القدوة التي تعلمناها من الأنبياء عليهم السلام، من خرجوا برسالاتهم للأمم بالحكمة
والموعظة الحسنة لا بالقتل والعنف والترويع، وصبروا وترفعوا وتحملوا صنوف الإساءات
والمصاعب لأجل ذلك، قدوة الصالحين الذين قدموا حياتهم نصرة للمظلومين ورسموها كلمة
طيبة فاح عبيرها حتى بعد مغادرتهم لهذه الدنيا ولم يقبلوا يوماً الإساءة لأنفسهم
أو لغيرهم مهما واجهتهم صعوبات أو تحديات، قدوة رجالات الوطن ممن قدموا حياتهم
فداء للوطن وأهله بكل محبة وإخلاص وصدق، وجمعوا أعلى الرتب والمقامات مع أعلى
مراتب الأخلاق الحميدة في حياتهم.
من وضع الصبر على الأذى قبلة لعيونهم
وعملوا على رسم الكلمة الطيبة لوحة تتغنى بجمالها كل عناوين الجمال في تعاملاتهم
مع غيرهم مهما كانت صفاتهم أو تصرفاتهم، قدوة عاداتنا العربية الاصيلة الممتدة من
تعاليم ديننا الاسلامي وكل الديانات السماوية التي تدعو لصون المرأة وحفظ مكانتها
الرفيعة في المجتمع واغاثة الملهوف وكرم الضيافة واحترام الكبير والعطف على الصغير
والوقوف بجانب الضعيف والمسكين وغيرها من مكونات الجمال في مجتمعاتنا.
نحتاج جميعا اليوم مع هذه الحرب الضروس
على عاداتنا الأصيلة العمل لإعادة تعزيز هذه القدوة الحسنة حتى لا تموت بيننا،
وتحتاج كافة وسائل الإعلام بشقيها التقليدي المقروء والمرئي والمسموع والإعلام
الجديد المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي إلى إظهار وإبراز القدوات الحسنة في
مجتمعاتنا وهي موجودة بكثرة ولله الحمد ولكنها تحتاج فرصة للظهور في كثير من
الأحيان، ولتبقى هذه القدوة الإطار الجميل الذي نحفظ به أصالتنا وعراقة إرثنا وإرث
آبائنا وأجدادنا وعائلاتنا وعشائرنا وقبائلنا وكل فرد من أفراد مجتمعاتنا ممن
كانوا يضعون حياتهم في كفة وحفاظهم على أصالتهم في الكفة الأخرى، حفظ الله
مجتمعاتنا من كل الشرور والفتن وحفظ علينا جمال الهوية والقدوة فيها ومن يحفظون
ذلك بيننا دائماً.