د. صبري الربيحات
خلال الأسابيع الثلاثة الماضية مرّ الأردن بأحداث حظيت باهتمام شعبي وإعلامي وأطلقت نقاشا واسعا حول العديد من القضايا التي كانت تؤخذ كمسلمات قلما يتجه الناس إلى مناقشتها وإثارة التساؤلات حول أسباب وقوعها وطريقة معالجتها وأدوار اللاعبين والمكلفين بالتعامل معها ومدى ملاءمة الاستجابات التي اتبعت ومعنى ودلالات هذه الاستجابات وتأثيرها على تغيير نظرة الناس لواقعهم ومدى اطمئنانهم لما يجري ومستوى التحول والتغيير الذي طرأ على قيم وأفكار وممارسات مكونات المجتمع المختلفة وانعكاسات كل ذلك على الثقة بين الفرد والدولة والمؤسسات والأفراد الذين يتولون مواقع المسؤولية.
الحالة الأولى التي أشغلت الرأي العام الأردني واستقطبت اهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية تمثلت في الأحداث الإرهابية التي وقعت على أرض الكرك خلال الأيام الأخيرة من العام 2016 وذهب ضحيتها العديد من رجال الأمن والمواطنين إضافة إلى سيدة كندية كانت في زيارة إلى منطقة الجذب السياحي الأهم في الكرك والتي كانت المسرح الأساسي للاشتباك بين الإرهابيين والقوى الأمنية التي تمكنت من القضاء عليهم بعد ما يقارب عشر ساعات من تبادل إطلاق النار في مشهد نقله العديد من القنوات التلفزيونية وغاب عنها الإعلام الرسمي ما عدا بيانات مقتضبة تبيّن لاحقا عدم دقة ما اشتملت عليه من معلومات.
اما الحالة الثانية فتتمثل في تلميح وزير الأوقاف إلى وجود فساد في إحدى المؤسسات التابعة لوزارته عرف منها حصول أحد الخطباء على شيك بقيمة 48288 دينارا وآخرين، على أرقام خيالية لينطلق تيار من الغضب والإحباط والتحليل والاتهام الذي لم يتوقف حتى بعد توضيح الوزير لاحقا أن المبلغ المسجل في الشيك قد يكون وسيلة استخدمت في عملية اختلاس معقدة أشرف عليها عدد من المسؤولين في الصندوق الذي يوحي مسماه بالأمانة ونبل الهدف.
في كلا الحالتين كان هناك غياب للمعلومات الدقيقة وتشويش وتردد وربما عدم إدراك لأهمية الاتصال في بناء الثقة بين الدولة والمواطن. كما بدا واضحا حجم التخبط الذي أظهره الإعلام الرسمي في حالة أحداث الكرك؛ فقد أخلى موقعه في اليوم الأول للأحداث بحجة الحرص على الدقة والموضوعية، وقد كانتا غائبتين في ما قدمه للمتلقي من معلومات حيث حمل التصريح الأول وجود عشرة إرهابيين، وتحدث التصريح الثاني عن ستة إرهابيين لنكتشف لاحقا عن العدد الفعلي وهو أربعة فقط. وإدراكا لأهمية الإعلام كان الإعلام الرسمي حاضرا في أحداث الثلاثاء وبشكل لافت دون أن يتمكن من صياغة قصة مقنعة تسهم في تعميق الثقة، فلم ينجح المؤتمر الصحفي للناطق الرسمي في تحقيق أهداف الإعلام الأمني المتمثلة في تعزيز الثقة واستثمار التأييد الشعبي في خلق وعي ودعم جماهيري فعال.
أن يستجير الفرد الذي يرتكب فعلا خارجا على القانون بالعشيرة وتجييشها باعتبار أنه ضحية لمؤامرة ظاهرة أردنية بامتياز لجأ إليها معظم الذين جرى التلويح بمحاسبتهم، فنجحت جهودهم في تعليق الإجراءات ووقف التنفيذ.
الإعلام الرسمي مطالب باستجابات فورية وسريعة لكل الأسئلة التي يطرحها الناس والصحافة وتدور في رؤوسهم لكي يحافظوا على مستوى مقبول من التواصل والثقة والتعتيم والتسويف لا يخدم العلاقة التي تتطلع لها الدولة والحكومة مع جمهورها ومواطنيها. الاختلالات والأخطاء والمخالفات تحصل في كل الدول والمجتمعات ولا خطورة في وقوعها إذا كان لدى المجتمع آليات سليمة للإفصاح عنها ومعالجتها ومحاسبة من يرتكبها. الاستمرار في دفن الأخطاء والتستر على المخالفات ومعالجتها بمزاجية بعيدا عن الرأي العام خطأ أكثر جسامة وخطرا على الأمن والاستقرار.