إن انعقاد مؤتمر ومعرض الذكاء
الاصطناعي لتكنولوجيا الدفاع والأمن السيبراني في الأردن، يشير إلى حجم الاهتمام
العالمي بشكل عام والمحلي بشكل خاص في عملية تطوير تكنولوجيا الدفاع الرقمي والأمن
السيبراني، لا سيما أن المؤتمر يجمع عدداً كبيراً من الخبراء من جميع أنحاء العالم
ليقدموا أفكارهم وتصوراتهم للمستفيدين والمهتمين سواء في المسار البحثي أو
التطبيقي.
وقد حظي المؤتمر باهتمام رسمي وإعلامي،
خصوصاً أنه ينعقد تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير حسين بن عبدالله
الثاني ولي العهد، والذي يولي اهتماماً خاصاً في عملية التحوّل الرقمي في
الأردن.
يجدر السؤال هنا، أين نحن في خريطة
التحول الرقمي والأمن السيبراني العالمية؟
الإجابة عن هذا السؤال نسبية، وسأحاول
أن أناقش في هذه السطور التحديات التي تواجه عملية التحول الرقمي وتطوير منظومة
الأمن السيبراني في الأردن.
التحول الرقمي هو عملية مستمرة، وتحديد
المخاطر المرافقة لهذه العملية تحتاج لأسس واضحة ومحددة، يرافقها مسار تقييمي
متكامل.
وبداية، لنناقش مستوى التحول الرقمي في
القطاع الحكومي، فتقرير مؤشر تطوّر الحكومة الإلكترونية 2020 الصادر عن الأمم
المتحدة والذي يراه المحللون كارثي، خصوصاً بالنسبة لمستقبل الاستثمار في هذا
المجال، حلّ الأردن في المرتبة 117 من أصل 193 دولة على مستوى العالم متراجعاً 19
مرتبة عن الترتيب السابق الصادر في 2018 حيث يعتمد المؤشر على ثلاثة محاور: توفير
الخدمات عبر الإنترنت، والبنية التحتية للاتصالات، وقدرات الموارد البشرية.
ولكن ما يدعو للتفاؤل هو أن جائحة
كورونا، خطت بمسيرة التحول الرقمي خطوات كبيرة ومتقدمة، حيث دعت لها الحاجة
للتعايش مع ظروف الجائحة، ولكن وكما هو متعارف في علم إدارة المشاريع أن التسرع في
الإنجاز يكلّف قصوراً في مستوى النتائج، فقد شابَ هذه الإنجازات بعضاً من المشاكل
التقنية من جهة، والأمنية من جهة أخرى.
وهنا لا بد أن نشير إلى نجاح بعض
المؤسسات في هذا المجال، والذين سجلوا تطوراً كبيراً لمَسهُ المواطن سواء من خلال
الخدمة السريعة والمتكاملة، أو من خلال سهولة استخدامها، وأذكر على سبيل المثال لا
الحصر، مؤسسة الضمان الاجتماعي وأمانة عمان الكبرى. كما أن القطاعين التعليمي
والمصرفي، سجّلا تقدّماً كبيراً لمسه المواطن بشكل واضح.
في المقابل كانت خيبة المواطن كبيرة في
خدمات الحكومية الإلكترونية، وخصوصاً ما رافق إطلاقها من حملات إعلامية ضخّمت
الانجاز دون واقعٍ ملموس.
تطبيق سند مثلاً لم يرقَ إلى المستوى
المأمول؛ بخدماتٍ غير فعالة، وقصورٍ في النتائج. انتقالاً إلى الدفع الالكتروني،
والذي استحوذ عليه تطبيقٌ واحد ليغطي جميع قنوات الدفع الحكومية، ورغم فعاليته،
إلّا أنه استفرد بقطاع حيوي يشكّل جزءاً كبيراً من عملية التحول الرقمي، الأمر
الذي أضعف مشاركة القطاع الخاص في العمليات المالية الرقمية، بالإضافة إلى أن من
أساسيات الأمن السيبراني هو تعدد طرق الدفع وتنويعها لمنح المستفيد الفرصة لاختيار
الطرق الأكثر أمناً وسهولة دون تحميله تكاليف إضافية.
من جهة أخرى، تعاني خدمات الوزارات من
ضعف في مستوى إدارة عملية التحول كمشروع متكامل، فنرى أتمتة خدمات بطريقة غير
مدروسة، يتحول جزء فقط من مسار المعاملة للشكل الرقمي، فهل يعقل أنه لا يزال مطلب
صورة مصدقة عن الهوية جزء أساسي من المعاملات، رغم أن الهوية أصبحت رقمية وتحتاج
فقط لمطابقة تتم رقمياً أيضاً.
الجزء الثاني، من الإجابة عن السؤال
الذي ذكرته في بداية المقال، والذي ركّز عليه المؤتمر المنعقد، وهو الأمن
السيبراني، فقد وضع التقرير العالمي للأمن السيبراني والصادر عن الإتحاد الدولي
للاتصالات الأردن في المرتبة العاشرة عربياً (وهي مرتبة متأخرة بالمناسبة)
والمرتبة 71 عالمياً.
فمثلاً، لا يمكن في عالم يعج
بالاختراقات والقرصنة، أن تبقى العديد من الوزارات تفتقر لنظام تشفير كلمات السر
الخاصة بالمستخدمين، ولا يعقل أن غالبية المواقع الإلكترونية الخاصة بالوزارات
والهيئات تصمّم بنفس البيئة والقالب ومن قبل شركة واحدة أو اثنتين، ويُذكر اسمها
صراحة في الموقع، الأمر الذي يعتبر في عالم الأمن السيبراني اختراقاً خطيراً، ذلك
أن ما يعرف في عالم البيانات بالكود المصدري يجب أن يبقى ملكاً للجهة المالكة
للموقع أو التطبيق حتى وإن تم تطويره من قبل شركة.
إن المشكلة التي يعاني منها الأردن
بوجهة نظري في مجاليّ التحول الرقمي والأمن السيبراني، هو المركزية في اتخاذ
القرار، فالمركز الوطني لتكنولوجيا المعلومات، مع كل الاحترام للخبرات الموجودة
فيه، استفرد باتخاذ قرارات التحول الرقمي، وحرم المؤسسات الحكومية من فرصة التطوير
والإبداع، فتحول العديد من إدارات نظم المعلومات في الوزارات والدوائر الحكومية
إلى جهات تنفيذية فقط. إضافة لذلك، تم حصر إدارة وتطوير ملف الأمن السيبراني في
الجانب العسكري -وعلى أهميته- إلا أن الأمن السيبراني هو منظومة متكاملة يشارك
فيها القطاع العام والخاص وحتى المواطن.
نتمنى أن يرسم المؤتمر مساراً جديداً
وتصوراً أكثر انفتاحاً، وأن يضع أمام صاحب القرار التحديات الحقيقية في مجالي
التحول الرقمي والأمن السيبراني.
* أخصائي تحول رقمي - الدوحة- قطر