لم يعد خبراً جديداً، بل بات خبراً
يومياً، يتم المرور عليه، بسرعة، هذا اذا وجد من يقف عنده أساسا، بعد ان وصل
الإرهاق في العصب العربي العام، الى درجة كبيرة جداً، ولافتة للانتباه.
يوم امس الأحد يقتحم مستوطنون ومتطرفون
المسجد الأقصى، بحماية الشرطة الإسرائيلية، وهذا الاقتحام لم يعد نادراً، بل
يوميا، ولا يجد هذا الملف سوى بيانات التنديد المعتادة، التي لا تقرأها إسرائيل،
فهي مجرد تعبير عن الموقف وكل شيء يمضي كما كان.
السؤال المطروح هنا، وبحاجة الى إجابة،
يتعلق بالسبب الأساس الذي يمنح المستوطنين القدرة على اقتحام الأقصى، على الرغم من
وجود حراس في المسجد الأقصى، وأوقاف القدس، ولا بد من إجابة محددة هنا، عن السبب
الذي يمنع هؤلاء من وقف الاقتحام من أساسه، واغلاق البوابات، في وجه موجات
الاقتحام، حتى لو أدى ذلك الى مواجهات.
هذا جانب يتوجب شرحه، لأن كثرة تسأل عن
السبب الذي يمنع حراس الأقصى، من وقف اقتحامات المستوطنين، واذا ما كان يرتبط
بمحاولة لتجنب التصعيد داخل الحرم القدسي، او بسبب وجود الجيش الإسرائيلي، او أي
سبب آخر، قد لا يراد شرحه علنا لحساسيته.
الكلام هنا ليس على محمل الاتهام، بل
على بساط الرغبة بمعرفة السبب فقط، ولا احد ينكر دور اوقاف القدس، ولا الدور
الكبير على حراس الأقصى، امام هذا الوضع، فنحن نحترمهم، ولا نزيد على احمالهم،
حملا جديدا، بتوجيه الاتهامات والغمز من قناتهم لا سمح الله.
هذه الاقتحامات اليومية، باتت تعني
بشكل واضح، تقاسما زمنيا للحرم القدسي، والذين كانوا يحذرون طوال عمرهم، من
التقاسم الزمني، او المكاني، عليهم ان يرووا اليوم ان تحذيراتهم باتت واقعا، فنحن
امام تقاسم زمني، لوقت قصير للغاية، سيؤدي لاحقا الى تقاسم زمني لفترة أطول،
والتقاسم الزمني الأطول سيرتبط مع التأسيس للتقاسم المكاني، وفقا للمخطط الذي يريد
اقتسام الحرم القدسي في الحد الأدنى، او السيطرة الكلية عليه، اذا تم التمكن من
ذلك، في أي توقيت لاحق، تكون فيه الظروف مهيأة بشكل او آخر.
السوار الشعبي في القدس، وقف مرارا ضد
الاحتلال، ولهم وقفات مشهودة، وهم أيضا حماة الأقصى، لكن الواضح ان إدارة الاحتلال
للموقف تعزز عملية الدخول الى المسجد الأقصى، خلال غياب المصلين، او انشغالهم في
بيوتهم واعمالهم، بحيث تبقى حدة الاقتحامات متواصلة، لكن صغيرة ومنخفضة، حتى لا
تؤدي الى انفجار الغضب مجددا، مثلما شهدنا ذلك نهاية رمضان الماضي، وهذه السياسة
مؤقتة، ستأتي بعدها تطورات في غاية الخطورة.
ما يراد قوله هنا، إن القبول والخضوع
لفكرة الاقتحامات اليومية، لوقت قصير، امر سيقود الحرم القدسي الى مرحلة حساسة
جدا، وهذا يفرض على اوقاف القدس، وحراس الأقصى، منع الاقتحامات، مهما كانت
النتيجة، مثلما يفرض على اهل القدس أيضا، عدم الاعتياد على الاقتحام اليومي
باعتباره حدثا قصيرا وسيمر، عبر تكريس القسمة الزمنية، وصولا للقسمة المكانية،
إضافة الى ان الأخطر هنا، ان هذا الموقع يعد إسلاميا، لكن يراد تغيير هويته، على
طريقة الحرم الابراهيمي في الخليل حيث التقاسم الزمني والمكاني، وبما يؤدي الى شطب
هوية هذه المدن، أي القدس والخليل، في سياقات إنتاج هوية جديدة للمدن، في سياقات الاحتلال،
وسيطرة الرموز التي ينتجها، لتغيير كل هوية فلسطين التاريخية.
لقد تعبنا ونحن نحذر، وغيرنا يحذر،
أيضا، لكن العالم العربي، مشغول بكل شيء، عدا هذه القضايا، وكأنه يعترف بضعفه،
ويكاد ان يقول لك، ان للبيت ربا يحميه، في سياق الضعف، وإعلان العجز، واذا كان رب
البيت يحميه حقا، فإن علينا واجب التذكير، ليل نهار، فهذه مواقع ليست ملكاً لشعب،
بل فيها حقوق أمة، أيضا، وهي امة عليها واجب كبير، نرى اليوم، ان الكل يتنصل منه،
ويتعامى عن كلفته، في ظل ظروف صعبة يعيشها الفلسطينيون.
عن الغد