( مهداة إلى بعض الإدارات الجامعية والجهات الرقابية )
قال أحد الشعراء الظرفاء يصف فائدة اجتماع الأضداد :
الوجه مثل البدر مُبيَضُّ
والشَعر مثل الليل مُسْوَدُّ
ضدان لمّا استُجمعا حَسُنَا
والضد يُظهر حُسنَه الضدُّ
ونحن في هذه المقالة سنختار نماذج من أحد الضدين لندرك مدى أهمية الضد
الآخر.
يستعرض المسؤول العتيد العظيم الفريد بعض مزاياه الإدارية، ويستفسر،
ثم يستمطر الإجابات التي ترضي غروره، وتؤكد عبقريته، فيقول :
ــ أنا مسؤول بمعنى الفاعل وصيغة المفعول، أَسأل ولا أُسأل، مرنت على
رقصات " السيرك"، ومهرت في ألاعيب الحواة، أتقافز على الحبال، وأجعل
المناديل حمائم، أبهر عيونكم، أُشغل عقولكم، أشدُّ انتباهكم إلى حيث أريد، وأبعد
أنظاركم عن ظلمي وكوارثي وتحطيم مؤسستي... فكيف ترون إدارتي؟
ــ أنا مسؤول محصّن عن المساءلة والتغيير، قد درست خريطة العلاقات،
ووعيت شبكة المصالح، وتغلغلت وتمسكنت وتزلفت وتذللت وزينت وتزينت.... والمسؤولون
عني الطيبون يسمعون كلامي ويصدقون، ويعاينون دموعي فيشفقون، ويرونني كفاءة إدارية
ومن عباقرة آخر الزمان، فيأمرون أن أبقى في مكاني لأن عينتي مفقودة قد انقطعت قبل
أن تُستنسخ نسختي.... فكيف ترون إدارتي ؟
ــ أنا مسؤول أُحسن جيدا استثمار منصبي في استمرار تسييج نفسي والحفاظ
على مصالحي، عوّدت رعيتي أنه ما من أمر يُقضى لهم، أو قرار يُتخذ، أو تعيين يتم،
أو ترقية تُنفذ.... إلا بالتوسط عندي، فليتدخل كبراؤكم، وليطلبوا مني لأفاوضهم
وأقايضهم وأعاملهم وأفاصلهم لأستبين ربحي من خسارتي . فكيف ترون إدارتي ؟
ــ أنا مسؤول أستخدم التصنيفات العالمية وسيلة إعلامية لنفخ ذاتي، وإخفاء
سيئاتي، وتوريم حسناتي، أقع على ما يرفع علاماتي من بئر مياه، أو خضرة مستدامة، أو
أي أمر شكلي، وأترك الجوهر فلا تعنيني البنية التحتية المتهالكة، ولا تراكم عدة
مدرسين في مكتب واحد، ولا القاعات الصفية التي تغلق أبوابها بالحجارة، ولا مئات
الطلاب في الشعبة الواحدة.... فالتصنيف ليس لمؤسستي، إنه فقط لسمعتي . فكيف ترون
إدارتي ؟
ــ أنا مسؤول ديمقراطي أُعلن رقم هاتفي الشخصي فقط لأبنائي الطلبة!!
وأتواصل مع أبنائي الطلبة!! واستمع إلى شكاوى أبنائي الطلبةّ!! وأشجع أبنائي
الطلبة على الشكوى، وتزويدي بالأخبار!! وكل ذلك وقود جيد للاستثمار في المكائد
والمصائد والمساومات والضغوطات. إنني في خدمة أبنائي الطلبة!! فأنا في مقام الوالد
لكل منهم، عطوف حنون لطيف، وأنا المثل الأعلى لهم في ألفاظي وأخلاقي وتصرفاتي .
أما أصحاب الحقوق والمظالم من المدرسين فقد أغلقت أبوابي في وجوههم، وحمّرت نواظري
لهم، أتجاهلهم، ولا أرد على كتبهم، وتلك أبدا شيمتي . فيكف ترون إدارتي ؟
ــ أنا مسؤول أُحسن اختيار عمداء كلياتي : بعضهم دراويش يطلبون السلامة،
وبعضهم خائفون مضبوعون يحسبون كل صيحة عليهم، وبعضهم يعلمون أنهم حصلوا على كل ما لا
يستحقون، وبعضهم عابرون للرؤساء لأنهم كالحرباوات يتلونون، هم أبعد ما يكونون عن
السوية الإدارية أو البحثية أو الأكاديمية أو الإنسانية، مرتكبو جنايات، نزلاء
سجون، يتاجرون بكل شين، ويسوّقون أنفسهم بكل زيف، ويجدون الحظوة عندي، وترتاح لهم
نفسيتي.فكيف ترون إدارتي؟
ــ أنا مسؤول أهتم برعيتي من المدرسين المنتمين النظيفين، وأريد أن
أجبرهم على التقرب مني والتزلف لي، فإن رفضوا أن " يحوشوا " عندي, تسلطت
عليهم وضيقت الخناق، فأوقفت ترقياتهم، ومنعتهم حقوقهم، وهبشت رواتبهم، وسلطت
العمداء عليهم لاتهامهم بالباطل، ونهش سمعتهم، وشكلت لهم لجان تحقيق محترمة فهيمة
حكيمة مطواعة لتثبيت التهم الباطلة عليهم، وألجأتهم إلى المحاكم، وأسلمتهم إلى
الأمراض تفتك بأجسامهم ونفسياتهم، وجعلتهم يفكرون بالانتحار أو الهجرة أو الانحراف
أو الإجرام، أو أن يخضعوا لسلطتي . فكيف ترون إدارتي؟
ــ أنا مسؤول صامد لا يهمني ما يُقال عني، ولا ما يُكتب بشأني، ولا ما
يُسجل علي، ولا ما يذاع بصوتي .واهمٌ من يظن أنني قد أستحي من ذلك، أو أحسب له
أدنى حساب. وسأظل رابضا على هذه المؤسسة إلى أن تتحول إلى يباب وتلة خراب، وسأبقى
جاثما على صدور المظلومين من رعيتي، مكابرا مصرّا على المضي في ظلمهم وعدم إنصافهم
. فماذا عساهم يفعلون ؟ هل يتعرضون لي في الطريق ويصيحون بي : إن ظلمك قد أفرغ
حياتنا من مضمونها، وجعل الموت أرحم وأشرف ألف مرة منها ؟ سأهزّ لهم أكتافي، وأقول
: ابتعدوا واصمتوا، ولا تنغصوا علي بهجتي ونشوتي . فكيف ترون إدارتي ؟
أااه !! لم نعد نجد من يغطينا! لقد ماتت صفية سعد زغلول، وتاهت كرمة
العلي في الوهاد، وما زال أحمد حسن الزعبي ينفخ في الرماد، لكن قمر حوران بأمله
البسام سيظل منيرا بهيا يبدد الظلام، وسنظل نحارب الظلم والظُلّام.