هل ما يزال هناك ما يمكن أن يستوقف
المهتمين من غير المتخصصين في متابعة كل ما يستجد في بحر العلوم الطبيعية مثل
الفيزياء والكيمياء؟ وهل ستصيبنا الدهشة يوماً ونقف مشدوهين أمام مستجدات
واختراعات واكتشافات جديدة في هذا المضمار؟
هل من احتمالات قوية قد تشير إلى نية
الإعلام في تبني تناقل معارف جديدة كاختراعات علمية، وانجازات إنسانية ربما تُغير
فهمنا للعالم ومتغيراته؟ وهل هناك ما يشير إلى أننا قد نسمع يوماً من يقول: “أن
ثمة عصر جديد للفيزياء يلوح في الأفق؟”
لربما كانت الإجابة المتوقعة تتراوح
بين نعم ولا، لكن إن حصل وحدث هذا الأمر فما هو الشاهد الجديد في هذا المجال يا
ترى؟
في نهاية القرن التاسع عشر، كتب غير
واحد من علماء الفيزياء المرموقين في ذلك الوقت قائلا: “إن حقائق الفيزياء قد
عُرفت واكتُشفت، وأن علم الفيزياء قد اكتمل ولم يعد هناك ثمة مزيد من ذي بال، ونصح
الأذكياء في أوروبا حينها بالتوقف عن البحث والدراسة في هذا العلم”. وبعد بضع سنين
على إطلاق هذه التصريحات، اهتزت أركان علم الفيزياء، وتأسس علم الفيزياء الحديثة
على أيدي سلسلة متشابكة من العلماء رواد فيزياء الكم والنظرية النسبية. وما يزالون
إلى الآن يواصلون بذل الجهود في البحوث والدراسات في محاولات منهم لحسم ما اختلفوا
فيه، واستكشاف ما لم يتوصلوا اليه في هذا العلم وتوظيف كل ذلك في التقنية والصناعة
وعمل المزيد من الأبحاث.
وفي نهاية تموز الماضي من العام
(2021)، أعلن باحثون من شركة (جوجل) وبالتعاون مع باحثين من جامعة (ستانفورد)
وغيرهم عن تجربة ما يسمى بـالبلورة الزمنية (Time Crystal)
في بيئة الحاسوب الكمي، لتسارع الأوساط العلمية والتقنية إلى الترحيب بهذا
الإنجاز، ويجازف موقع ” The Next Web”
بوصف هذه التجربة بأنها ” أهم اكتشاف علمي شهدناه طيلة حياتنا”، وقبل ان نذكر شيئا
عن هذا الإنجاز، يجب أن نشير الى أن هؤلاء الباحثين كانوا يقفون في عملهم هذا “على
أكتاف العمالقة” من أمثال (فرانك ويلزيك) – أول من تخيل فكرة وجود هذه الحالة من
المادة- وقبله عمالقة الفيزياء الحديثة مثل (هايزنبيرغ وبور وبلانك واينشتاين)
وغيرهم.
بغير قليل من التسطيح، يمكن أن نصف هذه
الحالة أي بلورات الزمن بأنها: ” كريستالات غريبة، لديها بنية ذرية لا يمكنها فقط
أن تكرر نفسها في المكان، ولكن في الزمن أيضا، وتكون في حالة تذبذب مستمرة ومن دون
طاقة”.
والفيزيائيون يقولون: ” إن هذه المادة
يمكن أن تبقى على هذا الشكل للأبد من دون أي تأثير خارجي”، وهي بذلك تخالف نظريات
(نيوتن)، وتخرق القانون الثاني، للديناميكا الحرارية”.
لكن ماذا يعني هذا وما الجديد المهم في
ذلك؟
والإجابة على ذلك توضح بأن هذا التأرجح
– ذهابًا وإيابًا- يحدث ملايين المرات، دون استخدام أي طاقة ودون توقف!
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه
التجربة تمت في ظروف غاية في الخصوصية وبالتالي غاية في التكلفة، حيث مكنت
الباحثين من وضع “بلورات زمنية في نفس النظام، ورؤيتها تتفاعل” لأول مرة، كما
ذكروا في بحثهم.
فكيف وأين سيتم تطبيق هذا الفتح العلمي
بعد حسم أي شكوك حوله؟.
لا شك أن التطبيق سيكون بداية في حاسوب
المستقبل “حاسوب الكم”، والذي يبدو أنه أصبح على مسافة سنوات معدودة وقليلة، والذي
بدوره يبشر بإمكانيات هائلة في مجالات الذكاء الصناعي، والاتصالات، والطب،
والهندسة، والثقافة، والبحث العلمي وغيرها من خلال معالجة مجموعات ضخمة من
البيانات، واجراء عمليات تشغيلية هائلة بالقليل من القوة والوقت، عن طريق حل
العديد من النتائج المحتملة في نفس الوقت.
حاسوب “الكم” المنتظر يعتمد على خصائص
فيزياء الكم العجيبة، التي تدهش العقول، والتي استعصت على الفهم والتفسير، حتى على
(اينشتاين) نفسه، ومع ذلك فهي مثبتة علميا، مستخدمة في التقنية. أما بلورات الوقت
فليست إلا جزءا صغيرا من هذا العالم العجيب.
عن الغد