يبدو أن هناك إجراءات معينة تلوح
بالأفق سيلجأ اليها مضطراً ديوان الخدمة المدنية في قادم الأيام للخروج من هذه
الازمة, فالمؤتمر الصحفي الذي عقده مؤخراً رئيس ديوان الخدمة المدنية هو بمثابة
(ناقوس خطر) يداهمنا جميعاً, ولا بد للدولة والحكومة والمواطن أن يتنبهوا له جيداً
ويعدّوا له كثير من الحسابات, ويبقى التحدي الاكبر هنا والذي يتمثل في كيف يمكن
لنا أن نغيّر من ثقافة المواطن في توجيه الأبناء لاختيار بعض التخصصات المطلوبة في
سوق العمل, بغض النظر عن الحسابات الاجتماعية السائدة في المجتمع الأردني, والتي
بدأت تتراجع تدريجياً لكن ببطيء شديد.
رئيس ديوان الخدمة المدنية السيد سامح
الناصر كان صريحاً وشفافاً لأبعد الحدود في مؤتمره الصحفي المفيد والهام للغاية,
فقد صرّح وبالحرف الواحد قائلاً: أن مخزون الديوان وصل إلى حدود 423000 خريج,
ونحتاج 8 سنوات حتى نستوعب خريجي السنة الواحدة, وأن نسبة المهندسين إلى السكان في
الأردن من الأعلى عالميا, ومع كل ذلك نجد الطلب والتنافس الشديدين بين الطلبة
وأهاليهم على العديد من التخصصات المشبعة والراكدة, وبالذات التخصصات الهندسية
منها بفروعها المتنوعة في الجامعات الحكومية والخاصة داخل المملكة وخارجها.
علينا أولاً أن نعترف ان هناك مشكلة
عميقة, وعلينا أن نعترف أن المشكلة ليست تراكمات خاطئة في سياسات وزارة التعليم
العالي, وأن المشكلة أيضاً ليست تراكمات خاطئة في سياسات ديوان الخدمة المدنية,
..وزارة التعليم العالي, وديوان الخدمة المدنية هي مؤسسات تلقت وتتلقى أفواج
الخريجين من مسارات التعليم المهني والاكاديمي غير المدروسة وغير المخطط لها جيدا
من وزارة التربية والتعليم, وعليه فالمشكلة منذُ البداية هي تراكمات خاطئة في
سياسات وزارة التربية والتعليم والمتعلقة بمسارات التعليم المهني والاكاديمي,
والتي غفلت عنها الحكومات السابقة للأسف الشديد.
لم يشفع لمثل هذه السياسات الخاطئة في
وزارة التربية والتعليم في ضبط مسارات التعليم المهني والاكاديمي..لم يشفع للمشكلة
أن تنتهي عند تعيين وزير واحد لوزارتين التربية والتعليم, والتعليم العالي,
فالفكرة جيدة جداً, لكن مخرجات الفكرة واستثمارها في ضبط مسارات التعليم المهني
والاكاديمي كانت صفراً معيارياً.
الأمثلة عديدة, وسأتناول هنا مثال واحد
على تخصصات (الهندسة) فقط كون الأردن من
النسب الأعلى عالميا فيها, فعلا سبيل المثال لا الحصر السياسات التربوية الخاطئة
التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم لدى طلبة الفرع الصناعي, حيث إضافة الوزارة
مادة الفيزياء والرياضيات لطلبة الفرع الصناعي وجعلتهم ينافسون طلبة العلمي في
دراسة تخصصات الهندسة, الامر الذي ادى إلى دخول آلاف الطلبة من هذا الفرع إلى
كليات الهندسة وتخرجهم, اضافة إلى السماح للطلبة إعادة التوجيهي العديد من المرات
لتحصيل مقعد في كليات الهندسة انطلاقا من مبدأ رغبة الطلبة, الامر الذي ادى أيضاً
الى دخول آلاف الطلبة من هذا الفرع إلى كليات الهندسة وتخرجهم,..رغبة الطلبة (يجب)
أن تكون وتتحقق فقط في المرة الأولى من التقدم للتوجيهي, وليس من عدة مرات متكررة
من المحاولات, وبعد ذلك يوجهوا هؤلاء الطلبة إلى تخصصات ادنى.
أقولها بكل صراحة وأمانة, أقولها أمام
الله وأمام جلالة الملك وأمام الدولة والحكومة وأمام المواطن أن سبب هذه الازمة
ووصولنا إلى ما وصلنا اليه الآن من حالة الانسداد الحقيقي في تصريف بعض التخصصات
وارتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب والتي كنت قد حذّرتُ منها سابقاً وعلى الدوام
في الاجتماعات التربوية في الوزارة عندما كنت مديراً للتربية والتعليم في محافظة
الزرقاء هو سياسات وزارة التربية والتعليم الخاطئة وغير المسؤولة في التخطيط الجيد
لمسارات التعليم المهني والاكاديمي في الاردن.