بقلم: م. عبدالرحمن
"محمدوليد" بدران
يجلس أحدهم مع عائلته في الصباح لتناول
طعام الإفطار لعله يدخل شيئاً من السعادة لقلوبهم، فجأة تنطلق ابنته الصغيرة
لتقبيله من فرط حبها له، لكنها تصطدم بكأس الشاي الذي يسقط على ثيابه، تقف الطفلة
مرعوبة فينظر لها الأب ويوبخها بشدة، تنفجر هي باكية ويتوتر المشهد، يتوجه الرجل
باللوم إلى زوجته كيف لم تنتبه لإبعاد الكأس قبل أن تقع، تغضب الزوجة وتجيبه أنها
لم تنتبه لذلك، ثم ينتبهان لوجود الأطفال فيطلبون منهم الخروج إلى غرفتهم، يقوم هو
بعدها لارتداء ثيابه قبل الخروج إلى عمله فيفاجئ بأن حافلة المدرسة قد فاتت
أولاده، يضطر للتأخر على عمله وإيصال أولاده بنفسه، ويأخذهم وهو متجهم ويطير بهم
في الشوارع بسرعة جنونية مما يتسبب له في مخالفة مرورية، وفي الطريق لا يتحدث مع
أولاده بكلمة واحده حتى أن أولاده ينزلون من السيارة بدون توديعه كالمعتاد، في
المقابل يجد مديره ينتظره للتوقيع على الإنذار بسبب التأخير عن العمل!
بعد كل ذلك يجد الرجل نفسه يعود للوراء
قليلاً ليجد أن كل ما جرى من المشاكل كان بسبب نقطة لا تستحق الذكر وهي سقوط الكأس
على الثوب والتي أدت لكل مسلسل المشاكل التي تلاها، فيلوم نفسه على ردود أفعاله
التي خلقت جواً من السلبية التي أحاطت به وبكل أفراد عائلته في ذلك اليوم، ويكتشف
أن الخطأ لم يكن خطأ ابنته الصغيرة التي أرادت إثبات شيئاً من حبها لوالدها، ولا
زوجته التي لا تطيق أكثر من قدراتها الطبيعية كأي إنسان طبيعي، ولا رجل المرور
الذي يقوم بواجبه أو مديره الذي يطبق قوانين العمل، وإنما كان منه هو الذي لم
يتعامل مع الأمر بهدوء وعقلانية ووضعه ضمن حجمه الطبيعي من البداية.
ومن هذا المثال نرى إثباتاً عملياً
لقاعدة الخبير النفسي المعروف ستيفن كوفي 10/90، والتي تعني أن 10% من المشاكل
التي تواجهنا في حياتنا هي بالفعل خارجة عن إرادتنا، لكن ردود أفعالنا تجاه تلك
المشاكل ستشكل 90% مما سيحدث لنا بعدها!
يروى أنه كان لمعاوية بن أبي سفيان
مزرعة في المدينة المنورة مجاورة لمزرعة عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، وقد
كان الخلاف بينهما قائماً في ذلك الوقت فدخل رجال لمعاوية مزرعة ابن الزبير وعاثوا
فيها فساداً، فما كان من ابن الزبير إلا أن كتب كتاباً شديد اللهجة لمعاوية قال
فيه: "من عبدالله بن الزبير إلى معاوية ابن هند آكلة الأكباد، أكفف يد عبيدك
عن مزرعتي وإلا كان بيني وبينك شأن عظيم".
وصلت الرسالة إلى معاوية وهو الخليفة
بدمشق، فقرأها ثم أعطاها ابنه يزيد يسأله الرأي فيها، فقال له ابنه: ترسل له جيشاً
أوله في المدينة وآخره في دمشق يأتونك برأسه!
لكن معاوية التفت لكاتبه وقال له أكتب:
"من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله ابن ذات النطاقين وحواري رسول الله صلى
الله عليه وسلم "يقصد والدته ووالده"، أما بعد: فإن الدنيا هينة تجاه
رضاك، فإذا وصلتك رسالتي هذه فضم أرضي إلى أرضك وعبيدي إلى عبيدك، ولو كانت مزرعتي
من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك، والسلام".
وصلت الرسالة إلى ابن الزبير فبكى، ثم
رد عليها: "إلى أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان بارك الله في أرضك ومالك
ولا أعدمك الله الرأي السديد الذي جعلك بهذا المقام".
فقال معاوية عند وصول الرسالة له: يا
بني إذا ابتليت بمثل هذا البلاء فداوه بهذا الدواء، فمن عفا ساد ومن حلم عظم.
ويبقى لكل منا الخيار في السباق بيننا
نحن وردود أفعالنا، هل نكون من يسيطر على ردود أفعالنا ونتعامل مع أمور حياتنا
بهدوء وضمن إطارها الطبيعي بدون مبالغة، أم نترك أنفسنا رهينة لردود أفعالنا
لتسيطر علينا وتملأ حياتنا وحياة من حولنا بالمشاكل التي لا تطاق!