الدولة
الصهيونية "دولة هجرة واستيطان/ احتلال استعماريين"، فالهجرة إلى فلسطين
أساس مخطط الحركة الصهيونية لتقوية "الدولة اليهودية"، لذا فإن تراجع
أعداد المهاجرين إلى فلسطين التاريخية، أو ارتفاع أعداد المهاجرين عكسيا من فلسطين
التاريخية إلى أوروبا أو غيرها هو إشكالية وجودية تواجهها الدولة الصهيونية.
في
الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وبعد أن وصلت لأول مرة صواريخ المقاومة الفلسطينية لمسافات
تجاوزت 250 كيلومترًا، في تخط كامل لمستويات الردع التي طالما تغنى بها جيش الحرب
الإسرائيلي، فأصيبت الدولة الصهيونية بشلل شبه كامل أجبر ملايين الإسرائيليين على
البقاء في الملاجئ بل وانقطاع الكهرباء عن آلاف المستعمرين/ "المستوطنين"
جنوب فلسطين المحتلة بفعل قصف محطة توليد الكهرباء في مدينة عسقلان بطائرات مسيرة،
ما أدى إلى عودة المخاوف من الهجرة المعاكسة، حيث أدرك الإسرائيليون أن صواريخ المقاومة
الفلسطينية (ناهيك عن صواريخ حزب الله أو إيران أو من العراق) نجحت في تغيير
معادلة مفهوم الأمن القومي لدولتهم، ولم يعد هناك بقعة جغرافية آمنة داخل حدود
فلسطين التاريخية.
بالمقابل،
ثبت للإسرائيليين عدم صحة دوائر التأثير ومراكز الدراسات الصهيونية طوال 73 عاماً
من تزوير للوعي الجمعي وتكريس مفهوم الهزيمة داخل مجتمع فلسطينيي 48، بعد أن انتفض
فلسطينيو الـ 48، وآزروا إخوتهم في القدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة، في
معركتهم ضد الاحتلال الذي فشل في تغيير مفاهيم الانتماء الوطني الأصلي لهم فكان
حضورهم قويا وعلى رأسه الإضراب الشامل الذي شلّ الدولة الصهيونية وبرهن أن الإرادة
الموحَّدة للشعب الفلسطيني لها مفاعيلها القادرة على النجاح.
اليوم،
ترتفع أصداء الدعوات الإسرائيلية بالهجرة المعاكسة. فبكلمات المحلل السياسي اليساري
(جدعون ليفي): "شخصيا أعتقد أن النهاية قريبة جدا لنا كدولة.. بالذات ان شعوب
المنطقة بدأت تفيق من سباتها ومن حلمنا في عمل مصادقة بين شعوبنا. وجهتنا يجب أن
تكون لأوروبا، وعليهم أن يستقبلونا كلاجئين. أعتقد أن هذا أفضل من أن نؤكل أحياء
من قِبل العرب". في السياق، قالت (أدليت وايزمان) الكاتبة وأستاذة التاريخ في
الجامعة العبرية: "لقد خدعتمونا. أنتم كَذَبة يا قادة إسرائيل. إسرائيل
تحترق، وصواريخ غزة تنهمر على كل إسرائيل كالمطر. أنتم تكذبون، فإسرائيل تذهب من
هزيمة إلى هزيمة، منذ حرب تموز 2006 (لبنان) لغاية الآن. نعم إسرائيل أوهن من بيت
العنكبوت". من جانبه، قال البروفيسور الإسرائيلي (ديفيد باسيج) أستاذ
الدراسات المستقبلية في من جامعة "بار إيلان": "إسرائيل ستشهد حالة
من التفكك والانهيار على المدى القريب، واغتيال لشخصيات يهودية بارزة، ثم انتفاضة
داخلية بين الإسرائيليين أنفسهم، وهو ما يؤدي في النهاية إلى الهجرة المعاكسة
للنخب اليهودية والكفاءات الإسرائيلية إلى الخارج".
بحسب
معطيات وزارة الاستيعاب والهجرة الإسرائيلية، فقد سجل عام 2020 تفوقًا في ميزان
الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج بـ74.9% مقابل 73.4% لمهاجرين يهود قادمين
من الخارج، وهذه النسبة قد ترتفع في هذا العام بعد أن غيرت المقاومة الفلسطينية معادلة
مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي. ووفقًا لأرقام الوكالة اليهودية، فقد غادر إسرائيل
720 ألف صهيوني، واستقروا في الخارج بصورة رسمية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين،
بينما يقيم 530 ألفًا آخرين في الخارج بشكل مؤقت.
الهجرة
اليهودية إلى فلسطين التاريخية تجدد الطاقة البشرية اللازمة لتبقى دولة الاحتلال
قادرة على الاستمرار في دورها الوظيفي في خدمة نفسها ومصالح الغرب الذي أنشأها.
غير أن ميزان هذه الهجرة وصل لمستوى سلبي لصالح الهجرة العكسية منذ ما قبل العدوان
الأخير على قطاع غزة، حيث كشف أحدث تقرير للباحث الإسرائيلي المختص في شؤون الهجرة
اليهودية (نتنائيل فيشر) عن تراجع واضح في عدد اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين
التاريخية خلال العام 2020. وبحسب (فيشر) فإن "المعطيات دلّت على أن 2020 لم
يشهد تراجعاً في عدد المهاجرين اليهود فحسب، بل تناقص عددهم بمقدار عشرة آلاف
مهاجر مقارنة مع عام 2019". لذا لا عجب أن آلاف الإسرائيليين خاصة الشباب قد
باتوا يفكرون جديا بمغادرة "إسرائيل" بحثا عن حياة آمنة ناهيك عن حياة أفضل.