التغير المناخي حقيقة واضحة المعالم هو
تغير موشر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث لمنطقة ما, يمكن ان يشمل معدل حالة
الطقس, معدل درجات الحرارة, معدل التساقط المطري وحالة الرياح هذة التغيرات قد
تحدث طبيعية مثل العمليات الديناميكية للارض كالبراكين او بسبب قوى خارجية كالتغير
في شدة الاشعة الشمسية الساقطة على الارض او بسبب النشاطات البشرية. تتوقع الهيئة
الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)
التي تتالف من 1300 خبير علمي مستقل من دول العالم وتعمل تحت رعاية الامم المتحدة
ارتفاعا في درجة الحرارة بمقدار 4.22 درجة مئوية, وتقول الهيئة ان كل منطقة في
العالم لها نصيبها وحظها من التغيرات المناخية اذا انها ليست واحدة على كافة انحاء
العالم والتبعات البيئية والاثار السلبية للتغير المناخي تختلف من منطقة لاخرى
بحسب موقعها الجغرافي او بحسب قدرة المنطقة وانظمتها الاجتماعية والبيئية والقدرة
على التكيف والتخفيف من الاثار والتبعات السلبية للتغير المناخي.
جلالة الملك عبدالله الثاني يوم الاحد
الماضي شارك في أعمال قمة الشراكة من أجل النمو الأخضر والأهداف العالمية 2030 (P4G)
الافتراضية التي تنظمها كوريا الجنوبية.
"وأشار جلالته، في كلمة له في
القمة، إلى تأثير التغير المناخي على الأردن، والذي انعكس على شح المياه وتسبب بتغيير
خصائص النظام البيئي، مؤكدا أن المخاطر الناجمة عن التغير المناخي في بلد واحد
ينعكس على الجميع. وشدد جلالته على أنّها "مسؤوليتنا المشتركة أن نعمل لتبقى
الأرض وطنا مستداما ونابضا بالحياة للجميع".
موقعنا الجغرافي ضمن منطقة الشرق
الاوسط بلد جاف او شبة جاف, بالاضافة الى
وجود مساحة كبيرة من الاراضي الصحراوية والتي ازدادت تصحرا بسبب انخفاض معدلات
التساقط المطري وبالتالي تقليل حصة الفرد من المياه التغير المناخي حقيقة واقعية مؤلمة لها اثارها
السلبية على حياة الانسان والتوازن البيئي وهذا ما لمسناه في تناقص واضح
في كميات الامطار في السبعين سنة الاخيرة بنسبة تتراوح ما بين 15-20% الى
جانب الزيادة السكانية المتزايدة المرتبطة
بالنمو السكاني المتزايد واستقبال الاردن لاكثر من 1.4 مليون لاجي سوري مما انعكس
سلبا وبشكل كبير على حصة الفرد الاردني الى اقل من 100م3 سنويا, بحيث اقترب الاردن
من خط الفقر المائي العالمي مما جعلة يتقدم على سلم الدول الاكثر فقرا بالمياه
علما بان 83% من الاراضي الاردنية مناطق قليلة الامطار ولايزيد فيها الهطول المطري
في 90% منها عن 200 ملم/السنة, بالاضافة الى اثار التغيرات المناخية التي اثرت بشكل
كبير على منطقة الشرق الاوسط ومنطقتنا الاردن بشكل خاص كونها تقع في قلب الشرق
الاوسط, ولقد شكل التغير المناخي تهديدا للأمن المائي واستدامة التنمية الاقتصادية
في بلد يعاني أصلا من شح المياه وتبرز أهم التحديات التي يواجهها الأردن في اختلال
معادلة التوازن بين الطلب والمتاح, حيث تزايد الطلب على المياه خاصة في هذا العام
الذي تناقص فيه كميات التساقط المطري بشكل كبير وخاصة جنوب المملكة.
ان العنصر الاهم في الامن المائي هي
التنمية التي عمادها العنصر البشري, مما يتطلب وضع استراتيجية وطنية هادفة ومعنية
بالامن المائي باعتبار ان ذرورة الامن الاقتصادي هو الامن الغذائي وعصب الامن
الغذائي ومنتجه هو المياه وهذا ينعكس سلبا على الامن الاجتماعي والاقتصادي, ان نقص
المياه وشحها ومحدوديتها سوف يؤثر سلبا على جميع القطاعات المختلفة مثل الزراعية
والاقتصادية والاجتماعية ويظهر هذا التاثير على كمية المياه ونوعيتها وهبوط مناسيب الاستهلاك في المياه الجوفية من
خلال نقص المخزون المائي والذي يؤدي الى ارتفاع درجة الحرارة والتي تعمل على زيادة
معدلات التبخر من المسطحات المائيه ومياه السدود والحفائر الترابية وان تذبذب معدل
هطول الامطاروانخفاض كميات الهطول المطري سيؤدي الى نقص في الموارد المائية
المتاحة للاغراض الزراعية والثروة الحيوانية كما ونوعا, الكميات المتاحة من المياه
قليله والطلب عليها اكبر هذا سيؤدي الى تدهور نوعية المياه نتيجة قلة كميات
الامطار وتساقط الثلوج مما يؤدي الى تملح المياه الجوفية وتدهور نوعيتها وبسبب قلة
الموارد المائية المتاحة سيؤدي الى ارتفاع اسعار المياه وهذا سيؤثرسلبا على تحديد
اولويات استعمالات المياه هل هي للشرب ام للزراعة ام للصناعة ام القطاعات الاخرى.
حتى نحقق التكيف مع التغير المناخي ونحقق الامن المائي
علينا جميعا تحمل المسؤولية افراد وجماعات ومؤسسات وطنية ومؤسسات حكومية باكمله
لنتمكن من المحافظة على مواردنا المائية والحفاظ عليها وامام ذلك لابد من القيام
بعدة خطوات متوازنة تتمثل في عدة مسارات
اولها المسار الاول وهو الجانب التوعوي في
مجال ترشيد استهلاك المياه والمحافظة عليها من خلال رفع مستوى الوعي لدى جميع
شرائح المجتمع وان يعلم الجميع ان الامن المائي هو امن اقتصادي وزراعي وبالنهاية
امن وطن وعلى كل اسرة وبيت تحمل المسؤولية الوطنية والذي يتمثل بالترشيد
بالاستهلاك واستخدام ادوات ترشيد استهلاك المياة والعمل على تخزين مياه الامطار من
خلال الحصاد المائي والذي يتمثل بالابار المنزلية, ان الحصاد المائي سيعمل على
توفير مصدر مائي يقدر بحوالي 43 مليون م3 سنويا اي ما يعادل 16% من المياة التي
يستخدمها المواطنين والتي تعمل على تخفيض فاتورة المنزل بنسبة لا تقل عن 40% من
استهلاكة. ان استغلال مياه الأمطار من خلال الحصاد المائي بإنشاء السدود والحواجز
الترابية لجمع المياه الذي يعتبر الأهم والأقل كلفة بالنسبة الى المواطن لان
الإدارة المتكاملة لمساقط الأمطار تعزز أساليب الحصاد المائي وخاصة في المناطق
الصحراوية الذي سيجعل من الزراعة امراً ممكناً رغم قلة الموارد المائية وتخفيف من
التدهور البيئي وانجراف التربة ويجمل المنطقة ويحسن مستويات المعيشة .
الجانب الثاني يتمثل في مسار تشريعي
قانوني يرفع مستوى الاهتمام بحفظ وصيانة مواردنا المائية وفق منظومة تشريعية
متكاملة تجعل من الاعتداء على المياه جريمة وطنية كبرى يعاقب عليها القانون بشدة
وبدون تهاون وان يطبق القانون بكل صرامة وشدة على الجميع.
الجانب الثالث فيمثل في المسار التقني والمهني
وهو مواجهة النسبة العالية من الفاقد المائي حيث تصل نسبة الفاقد الى 40% وقد تصل
الى 60% في بعض مناطق المملكة عبروصلات غير مشروعة والعمل بخطة عمل للتخفيف من
الفاقد المائي ومعالجة الخلل الناتج من الحصول على المياه بطريقة غير مشروعة وذلك
باستخدام وسائل تقنية وتكنولوجيا متقدمة تخفف من الفاقد المائي وتحافظ على مصادرنا
المائية.
اما المسار الرابع والذي يتمثل في مسار
الحصول على مصادر مائية جديدة من خلال بناء السدود والحفائر الترابية الصحراوية
والحصاد المائي من خلال الابار المنزلية والتعاون مع دول الجوار بمشاريع مشتركة,
اما الجانب الخامس وهو المسار الاهم فهو
ضرورة اصلاح الخلل الناتج من الزراعات المختلفة وانشاء المخيمات السكانية على
الاحواض المائية فلا بد من معالجتها وحمايتها والا فانها تعد كارثة كبرى تهدد
مستقبل الامن المائي الاردني.
المسار السادس وهو مسار هام وضروري
يتمثل في بناء القدرات الوطنية في مواجهة التغير المناخي والقدرة على التكيف
معه وهذا يتطلب توفر كفاءات وطنية ومتخصصة
في ادارة الكوارث والازمات وادارة وكيفية التعامل مع الاثار الناجمة عن التغير
المناخي وتتمثل في وضع خطط شاملة للمدن الاردنية لمواجهة كوارث الفيضانات وتتمثل
بالتنبؤ بحاله الطقس ومعرفة المناخ بصورة دقيقة والقدرة المحلية على مواجهة
الكوارث وادارة الازمات وتتمثل في حوكمة الحد من مخاطر الكوارث, بناء القدرات
الوطنية وتدريبها وبناء قاعدة معلومات وطنية تشمل وضع خطط للمدن الاردنية لمواجهة
الكوارث الطبيعية ,التنسيق بين مؤسسات الدولة المعنية ووضع القوانين وتنوير وتزويد
المواطنين بالمعرفة العلمية الدقيقة والصحيحة وذلك لاتخاذ نهج تشاركي شامل تتمثل
في ادماج القطاع الخاص بالقطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني والبلديات والمجالس
المحلية والبلدية واعتماد الحماية الاجتماعية وشبكات الامان الاجتماعي كنهج وطني
لتخفيف المخاطر بجميع انواعها, التركيز على البنية التحتية والتوسع العمراني
والتاكيد من ضمان ان المدن والبنية التحتية للاسكان والطرق والجسور وغيرها من
الاعمال المدنية ا اصبحت اكثر مقاومة للفيضانات والمخاطر, تدريب وبناء قدرات
المهندسين والفنيين المتخصصين وتوعية ثقافة وطنية وهي ثقافة الوقاية من الكوارث
تتمثل في استثمار الحكومة في الخدمة الاجتماعية الاساسية واجراء تقييم للمخاطر
وربطها بالخسائر التي حصلت سابقا لتسهيل وضع اجراءات الاستجابة وتخفيف الاثار ووضع
الحلول المناسب.
المسار السابع وهو مسار ضروري وحيوي
وهو دور الجامعات في مواجهة تداعيات التغير المناخي وتوجيه جميع الباحثين والاكاديميين
الى وضع استراتيجيات هادفة الى التكيف مع التغير المناخي لتحقيق التنمية المستدامة وذلك من خلال تفعيل
وتطوير وبناء الطاقات والقدرات الوطنية في مجال التغير المناخي والتي تتمثل
بالتفاعل ما بين طلبة الجامعات والمجتمع المحلي من خلال برامج مدروسة ومكثفة تساعد
في التصدي لجميع الاثار السلبية للتغير المناخي وتعطي المفتاح الاهم لنجاح التاقلم
والتكيف وتخفيف الاثار بتغيير السلوك الشخصي للافراد ليصبح لدية القدرة على
التعامل مع متطلبات التنمية المستدامة وكذلك رفع درجة الوعي لدي المواطنين بالأثار
الناجمة عن التغير المناخي و الالمام بالابتكارات والتقنيات والممارسات التي يمكن
ان تساعد في التكيف على نحو افضل كما يجب ان يكون هناك برامج لابراز دور المرأة
الرئيسي في التكييف مع هذا التغير بالاضافة الى تطوير الشراكة ما بين القطاع الخاص
والجامعات من اجل عمل برامج اكاديمية بحثية تطبيقية متعلقة بتداعيات التغير
المناخي وتأثيرها بصورة متكاملة على برامج التنمية الوطنية وتعزيز تفافة الاستعداد
لمواجهة الكوارث من خلال نشاطات منهجية وغير منهجية تهدف الى اكساب الطلبة القدرة
على مواجهة الكوارث المتعلقة بالتغير المناخي وتبني برامج توعوية للمجتمع المحلي
للتصدي لهذه الظاهرة وكذلك القيام بدور
هام في الحفاظ على مواردنا المائية وتطوير المهارات الخضراء من اجل طاقة انظف,
ومزارع اكثر اخضرارا لتخفيف الغازات الملوثة للبيئة وتعزيز الابحاث والدراسات في
مجالات المحافظة على التنوع البيولوجي لان الاردن يزخرباشكال متعددة ومميزة من
التنوع النباتي والحيواني مما يعتبر ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها.
لابد من ابراز دور الجامعات لانها
المكان الامثل والانسب لحل الكثير من المشاكل المرتبطة بتداعيات التغير المناخي
والقدرة على التكيف ووضع الحلول المناسبة
لذلك والاستفادة من طاقات وافكار الطلبة
واستثمار طاقاتهم الابداعية وتوجيهها نحو الابتكارات والبحث العلمي والنوعية لايجاد وتسويق حلول جديدة لخفض
الانبعاتات الملوثة وتطوير صناعات صديقة للبيئة ذات قيمة اقتصادية, وتوجيههم بطرق
علمية متخصصة بالاضافة الى تشجيع التعاون والتبادل العلمي والبحثي مع الموسسات
التعليمية والمراكز البحثية الوطنية والاقليمية والدولية والاستفادة من الخبرات
والكفاءات والباحثين في هذا المجال. الجامعات لديها فرصة ومسؤولية حقيقية لتحفيز البحث العلمي وتطويرة ونشر ثقافة البحث
العلمي والتميز والابداع والتركيز على ان
البحث العلمي ليس جهد فردي فقط بل حواضن وبيئات بحثية وسياسات واستراتيجيات وطنية
وجامعية وماكز بحثية متخصصة اضافة الى الدعم المالي المناسب لانجاح هذه المراكز
البحثية والعلوم الهندسية والتطبيقية
لتكون حواضن للعلم والمعرفة والبحث والابتكار وتحقيق النجومية في التميز العلمي
والبحثي والاختراع والتطور. المسؤولية
الوطنية تحتم علينا جميعا للقيام بمعالجة شاملة ودراسة الابعاد والاثار الناجمة
والعواقب للتغير المناخي ووضع التدابير التي تساعد على التكيف والعمل على اجراءات
تخفيف مسببات الاحتباس الحراري حتى لانصل في يوم من الايام يصبح فيه التكيف امر
صعب للغاية.
* استاذ هندسة البيئة - جامعة الحسين
بن طلال.