بقلم:
د. اسعد عبد الرحمن
من
نادلة إلى أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، قادت (أنغيلا ميركل)، عالمة الأبحاث التي
تحمل شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية، قادت ألمانيا، أقوى دولة أوروبية على
كافة الصعد، منذ عام 2005. ولقد تم اختيارها في ذلك الموقع بعد الانتخابات
الاتحادية على رأس الائتلاف الكبير المكون من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي،
الحزب الشقيق البافاري، الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU) والحزب الديمقراطي
الاجتماعي
(SPD). ويعتقد بعض السياسيين والمراقبين أن (ميركل) قد هيمنت لفترة طويلة على
السياسة الأوروبية والدولية.
ومع
الاستعدادات لإقامة الانتخابات الفيدرالية الألمانية لعام 2021 لاختيار أعضاء
الدورة العشرون من "البوندستاغ" في 26 أيلول/ سبتمبر، بدأت مرحلة جديدة
ما بعد (ميركل) بانتخاب الحزب المسيحي الاجتماعي (أرمن لاشت) لتولي زعامة الحزب
بعدها، علما بأن حزب (ميركل) تكبد خسارة فادحة في انتخابات أجريت منتصف آذار/ مارس
في ولايتين رئيسيتين هما "بادن فوتمبورغ" و"رايلاند بفالتس"
غربي البلاد، وذلك بسبب الفشل في إدارة أزمة جائحة كورونا وتداعيات فضيحة مالية
كبيرة، حيث حصل حزب "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" على 23% من الأصوات في
"بادن فورتمبورغ"، مقابل 27% قبل 5 سنوات، فيما حصل على نحو 26% من
أصوات ولاية "رايلاند بفالتس"، مقابل نحو 32% عام 2016.
ورغم
ما اعتبر انتكاسة لحزب (ميركل) قبل نصف عام على موعد الانتخابات التشريعية، فإن
سلاسة الأجواء التي جرت فيها الانتخابات داخل حزبها وانتهائها بنجاح من دون تسجيل
أي اعتراضات، يبرهن على قوة الحزب ومدى تماسكه من جهة، ومدى التزام ممثلي أعضاء
الحزب باختيار الأنجح والأقدر على تولي الزعامة، مع تعهد الحزب بـ"عدم
التسامح بتاتا" حيال أشخاص ارتكبوا اختلاسات أموال و"يزدادون ثراء أثناء
الأزمة" الصحية.
بعد
16 عاما في المنصب ستتنحى المستشارة الألمانية تاركة حزبها، بعد انتهاء المهمة
الصعبة المتمثلة في إيجاد بديل حزبي لها، إذ تم انتخاب المقرب منها (أرمين لاشيت)
على أساس الرغبة لدى الحزب في الاستمرار على نهج (ميركل) السياسي في المرحلة القادمة،
مع ملاحظة أن زعيم الحزب سيترشح بشكل تلقائي لمنصب المستشارية في أيلول/ سبتمبر
القادم، والذي سيصبح خاليا بدوره بعد انقضاء فترة (ميركل). وقد جرى كل ذلك بعد
الاتفاق مع "الحزب المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا" برئاسة (ماركوس
زودر) والذي يعتبر الحزب التوأم لحزب (ميركل)، مع الإشارة إلى أن (زودر) كان
(وربما لا يزال) يطمح لشغل منصب المستشار بعد أن نجح بتحقيق شعبية كبيرة أبعد من
ولايته بافاريا لإدارته الحازمة لأزمة كورونا.
وسواء
انتخب (لاشيت) أو (زودر) للمستشارية يبقى السؤال: ما هي السياسة الخارجية التي يمكن
أن ينتهجها كل منهما؟ وهل يمكن أن يشكل أي منهما قطيعة مع نهج وسياسة (ميركل)
الخارجية الحالية؟ ذلك أمر غير محتمل! (فميركل) تملك 16 عاما من الخبرة في السياسة
الخارجية والتي تم تعزيزها في العديد من الأزمات، فضلا عن ازدياد الأهمية الدولية
لألمانيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة بعد اعتلائها القمة في "الاتحاد
الأوروبي" مع التركيز أيضا على أن العلاقات الألمانية (والأوروبية) مع
الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة إدارة جديدة (مغايرة تماما لسابقتها) ستكون
أكثر سلاسة.