بقلم:
د. اسعد عبدالرحمن
تدهورت
العلاقات الألمانية الأمريكية بشكل كبير مع وصول الرئيس (دونالد ترامب) إلى البيت
الأبيض. ولقد أدى اختياره المواجهة مع أوروبا بدءاً من ألمانيا، ولجوئه إلى
التهديد بإجراءات عقابية، واعتماده أسلوب الضغط ليحقق بعض طموحاته، أدى إلى وصول
العلاقات بين برلين وواشنطن إلى أسوأ مراحلها تاريخيا.
هذه
العلاقة المتوترة بين برلين وواشنطن، تجلت أولاً عبر تركيز (ترامب) على تقليص
الفائض التجاري الألماني مع بلاده باعتبار أن ألمانيا تحقق فائضا كبيرا. كما اتهم برلين
بالعمل مع روسيا لتنفيذها مشروع خط "نورد ستريم 2" لنقل الغاز. كذلك،
بادر (ترامب) إلى سحب حوالي ثلث القوات الأمريكية المتمركزة في ألمانيا (11900
جندي) بهدف إخضاع برلين، وإجبارها على تسديد نسبة 2% من ناتجها المحلي الإجمالي
لحلف شمال الأطلسي المتفق عليها في قمة ويلز ببريطانيا عام 2014، علماً أنّ المهلة
لتحقيق ذلك سارية حتى عام 2024.
لقد
عاشت العلاقات الألمانية/ الأمريكية في عهد (ترامب) وضعا غير مستقر لم تشهده منذ سقوط
جدار برلين عام 1989. وبالفعل، وصلت أزمة الثقة بين البلدين إلى ذروتها، انطلاقا
من الموقف الترامبي القائم على مسألة التفكير بشكل أقل بأوروبا، لأن المحيط
الأطلسي لم يعد مجالاً للجاذبية الاقتصادية والسياسية والعسكرية في العالم، بعد أن
باتت الصين المنافس التكنولوجي والاقتصادي الجديد للولايات المتحدة.
ولأنه
"في السياسة لا توجد صداقات أو عداوات دائمة ولكن مصالح مشتركة"، كان
كذلك حال العلاقات الألمانية الأمريكية. فرغم أنهما حليفتان مقربتان، لم تكن
العلاقات الدبلوماسية بين برلين وواشنطن سلسة على الدوام حتى في الفترة التي سبقت
ولاية (ترامب). وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الألماني (هايكو ماس): "أي
شخص يعتقد أن وجود ديمقراطي في البيت الأبيض سيعيد الشراكة عبر المحيط الأطلسي إلى
ما كانت عليه من قبل، هو شخص لا يحسن تقدير حجم التغيرات الهيكلية التي حدثت".
ويتفق معه وزير الخارجية السابق (زيغمار غابرييل) ويؤكد على أن "العلاقة بين
برلين وواشنطن لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه. أوروبا، وألمانيا بالتبعية، فقدت
تأثيرها العالمي لصالح آسيا على مدار العقود القليلة الماضية".
مع
تجديد الرئيس الأمريكي الديمقراطي (جو بايدن) التزاماته تجاه "حلف الأطلسي"،
وهو مؤشر قد يعود ويدفع بالعلاقات إلى مستوى أفضل نسبياً وهو أيضا ما عبرت عنه
المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركيل) حين قالت: "نحن الألمان والأوروبيين
نعلم أنه في هذه الشراكة في القرن الحادي والعشرين علينا أن نتحمل المزيد من
المسؤولية... أمريكا هي أهم حليف لنا وستظل كذلك، ولكنها تتوقع منَّا - وعن حق -
أن نبذل جهودا أكبر من جانبنا لضمان أمننا والدفاع عن قناعاتنا في العالم".
كما أكدت المستشارة أن "ألمانيا ستقف "جنباً إلى جنب" مع الولايات
المتحدة والرئيس بايدن لمواجهة "المشكلات العالمية" على غرار الاحتباس
الحراري وجائحة كورونا".
ورغم
رحيل (ترامب)، ما زالت التحليلات الألمانية تخشى على مستقبل العلاقات بين البلدين،
باعتبار أن "وصول ديمقراطي إلى البيت الأبيض، لا يعني تحسّنا تلقائيا في
الشراكة عبر الأطلسي، ولا يجب الاستهانة بالمتغيرات، وعلى أوروبا بقيادة ألمانيا
التوقّف عن النظر إلى الثعبان في الولايات المتحدة وكأنه أرنب". ورأت هذه
التحليلات أن "مع ترامب أو من دونه، الوضع سيزداد صعوبة، وحتى حلف الأطلسي لن
يكون آمناً، لأن هناك أغلبية في أميركا تقول الآن وداعاً لدور الشرطي العالمي.
وعلى المدى المتوسط، سيتم تقليل الوجود العسكري في الشرق الأدنى والأوسط، وهذا ما
سيجعل ألمانيا أقل أهمية".