هما آفتان اجتماعيتان جُبل عليهما كثير من البشر، وتكررت الإشارة
إليهما مراراً في القرآن، وحذّر الله سبحانه وتعالى عباده منهما، ونهاهم عنهما،
ولكنهما ما زالتا شائعتين تشكو منهما المجتمعات السوية، وتكتوي بنارهما.
والجامعات مجتمعات مصغّرة، وصورة صادقة لطبائع الناس في المجتمع
الكبير، وعاداتهم، واشتباك مصالحهم، وأطماعهم، وأقويائهم، وضعفائهم، وأخيارهم،
وأشرارهم....... وظالميهم ومنافقيهم.
ففي بعض الجامعات بعض الظالمين في بعض القرارات:
إنهم يظلمون في التشكيلات الإدارية، وفي الترقيات، وفي إيقاع
العقوبات، وفي عدم الردّ على المخاطبات..... إلخ، يقرّبون أشباههم ومن هم على
شاكلتهم، ييسرون لهم كلّ صعب، ويحلّون كلّ عقدة، ويسترون كلّ سوأة، ويغفرون عظيم
الذنوب، ويتجاوزون عن الأخطاء بل الخطايا، فتختلّ المعايير، وتتراقص كفّات
الموازين، وتزدوج النظرة إلى التعليمات والأنظمة والقوانين، هذا، مثلاً، يقترفُ
خطأً قد يكون غير مقصود، أو يُخترع له ذلك الخطأ، فتظهر له تعليمات قد احمرّت
نواظرها، وتسمّمت مخالبها، تطارده دون هوادة، وتنهشه دون رحمه، ويُعزّر على الملأ
بأنّه أساء لسمعة الجامعة السنيّة، ونال من شرفها المصون!!
بينما ذاك، مثلاً مثلاً, يرتكب جناية، تملأ الدنيا وتشغل الناس، وتصبح
فاكهة المجالس، ومائدة المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد يُسجن،
وينقطع عن العمل ..... ثم يهدأ الغبار فجأة، وتصغر الكبيرة، ويعود رافع الرأس مثل
سنبلة قمح فارغة، إلى عمله ومكاسبه ومناصبه وكأن شيئاً لم يكن!!
حقّاً: وعين الرضا عن
كلّ عيبٍ كليلةٌ ولكنّ عين السخط
تُبدي المساويا
فأين العدل في هذا؟!
وفي بعض الجامعات بعض المنافقين
إنّهم مَرَدوا على النفاق، وأتقنوا ألاعيبه، يُحسنون التقرّب من
المسؤول، ويعزفون له أبدع النغمات التي تُنسيه مرضه، وشعوره بنقصه، وتوهمه بالثقة
بنفسه، فينتشي بسحر القوة المزعومة، وينتفخ بالعظمة الموهومة، ويصدح بترانيم
النزاهة والإنجازات والتفاني في خدمة الوطن، ويرتدي إهاب النعمان بن المنذر، فيجعل
حياته يومين:
يوم نعيم يُسربل فيه المنافقين بالمكارم والمزايا والأعطيات،
ويوم بؤس وجحيم يُخصصه لمن يَصدقه القول فيعارضه، أو يحترم نفسه فلا
يتقرّب منه أو يتزلف له.
فأين العدل في هذا؟! وماذا نقول؟!
نقول للظالمين:
استقرئوا التاريخ، وتبصروا سِيَر من ظلموا من البشر، واتعظوا والتقطوا
العِبر: النهاية محسومة لصالح الحقّ، والمسألة مسألة وقت لا أكثر. " فهل من
مدّكر" ؟!
ونقول للمنافقين:
إنّ ضرركم أشدّ، فلو غبتم عن المشهد، وتلفّت الظالم حوله، ووجد نفسه
وحيداً، فقد يفكر في حاله، ويعيد النظر في مواقفه، وتقوده فطرة حيّ بن يقظان إلى
السويّة والعدل.
ونعلم أنكم ستكونون أول مَن يتخلّى عن الظالم عندما يبدأ مركبه
بالغرق، وتتقافزون نحو المركب الجديد القادم، لكن تذكروا أنّكم بعبثكم هذا تهدمون
مؤسستكم، وتُسهمون في إيذاء وطنكم.
وتبقى الهمسة الأخيرة الأثيرة للأغلبية الصادقة الصامتة أن اصمدوا على
مواقفكم الصالحة، وحافظوا على إخلاصكم في عملكم، وارفعوا صوتكم للمطالبة في
حقوقكم، وانهضوا بمستوى مؤسستكم، فهي لكم، نفْعُكم فقط له البقاء، وسيتلاشى الزبد
جفاء، ولا تحسبوا في النفاق خيراً، ولا تطمعوا بمكاسبه الزائفة الزائلة، ولا
تصدّقوا المروجين له الذين يتظاهرون بالحكمة والتعقّل ومداراة المخطئ حفاظاً على
مصالحهم الخاصة على حساب مبادئهم ومصلحة مؤسستهم، وقولوا لهم بلسان حالكم: هـذي
مقالة خائــف متملقٍ متسلقِ,
ومقالتي: أنا لن أنافق حتى ولو وضعوا بكفيَّ المغارب والمشارق
يا دافنين رؤوسكم مثل النعام تنعّموا وتنقلوا بين المبادئ كاللقالِق
ودعــوا البطـــولة لي أنا حيـث البطولة باطل والحــق زاهــق
هذا أنا أُجــري مع الموت السباق وإنني أدري بأنّ الموت ســابق
لكنما سيظل رأسي عالياً أبداً وحسبي أننــي في الخفـــض شـاهق
فإذا انتــهى الشـــــوط الأخيـــــر وصــــفّق الجـمــــع المنـــــافق
سيظلّ نعلي عالياً فوق الرؤوس إذا علا رأسي على عقد المشـانق ....