بقلم: محمد إقبال*
قبل ان يوافق مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون الخميس الأول من ديسمبر الحالي، بالإجماع على تمديد العقوبات المفروضة حاليا على إيران لعشر سنوات ليرسل مشروع القانون إلى البيت الأبيض كي يوقع الرئيس باراك أوباما عليه ليصبح قانونا، كانت وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري الإيراني قد بثت خبرا في 29 نوفمبر الماضي بعنوان «انضمام أحد مؤيدي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية الى ادارة ترامب». وقالت الوكالة: «اعلن الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب ترشيحه إيلين تشاو لمنصب وزير النقل، والذي يعد من الاعضاء المحتمل دخولهم ادارة ترامب وهو من مؤيدي مجاهدي خلق، والذي يعلن بشكل صريح عن تأييده العلني لمجاهدي خلق ومطالبته بتغيير النظام في إيران.. وهذا الاعلان جاء بكل وضوح خلال مشاركة تشاو في مؤتمر لهذه المنظمة في باريس العام الماضي".
وفي هذا السياق، فان المدعو ”هاديان” الذي قدمه التلفزيون الإيراني على انه خبير في الشؤون السياسية وفي حوار مع شبكة التلفزيون الوطني في إيران، قد قال غداة اختيار ترامب رئيسا للولايات المتحدة: «العفو... علينا ان نسمي الادارة الاميركية الجديدة بـ"ادارة الرعب".. حيث انه عند قراءتنا لاسماء اعضائها – ونسأل الله ان لا يات هؤلاء الاشخاص – فاننا سنقول بكل أسف ان ترامب يعد شخصا شريفا وليبراليا اذا ما قارناه بالفريق الذي سيشكل ادارته".
في مقابل هذا، وفي ظل استحواذ قضايا الشرق الأوسط وإيران على حصة الأسد من مواقف ترامب الخارجية وتصريحاته القوية بهذا الشأن، وتأكيده على ضرورة تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة المشروع الإيراني، فان المرشد العام الإيراني علي خامنئي، ولتقليل المخاوف لقواه المنهارة امام هذه المواقف المتشددة لترامب، فانه يدعي «ان انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة "لا يبدل شيئا" بالنسبة لايران».
لنرى الآن ما دار خلف الكواليس في اروقة النظام الإيراني، قبل انتخاب ترامب وبعده:
في تقرير رفعه المجلس الاعلى للأمن القومي إلى بيت المرشد العام قبل الانتخابات في الولايات المتحدة قال: ان هيلاري كلينتون سيتم انتخابها بشكل مؤكد، ولكن ان فاز ترامب فان ذلك يعد كارثة بالنسبة لإيران، وعلينا ان نحمد الله ان كلينتون ستكون الرئيسة القادمة للولايات المتحدة.
وفي اجتماعات داخلية أخرى، كانت اجنحة النظام المختلفة متأكدة بأن كلينتون ستكون هي الرئيسة المنتخبة من قبل الشعب الاميركي، غير أنهم كانوا يتفقون على الرأي القائل، أنه وفي حال اختيار ترامب علينا ان نكون جاهزين، ”وان الاحتمال الضئيل لانتخاب ترامب سيكون بمثابة كارثة حقيقية بالنسبة لإيران”.
وكان تقدير الاجنحة المختلفة في النظام الإيراني تتمحور حول حتمية انتخاب كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي الاميركي، بحيث أنه وفي الساعات الأولى من فجر يوم التاسع من نوفمبر الذي كان من المقرر ان تعلن فيه نتيجة الانتخابات الاميركية، اعلنت الكثير من الصحف الإيرانية وفي عناوينها الرئيسة وعلى صفحاتها الأولى فوز كلينتون.. وكتب عدد منها «هيلاري كلينتون اصبحت اول امرأة تتولى رئاسة الولايات المتحدة». غير أنها وبعد فوز ترامب قامت بسحب الجرائد المعدة للتوزيع، وقامت بتغيير العناوين الرئيسية معلنة فوز ترامب.
وفور اعلان فوز ترامب فجر الاربعاء التاسع من نوفمبر الماضي بتوقيت طهران، دعا المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني اعضاءه لعقد اجتماع لتقييم الموقف المفاجىء الذي لم يكن يتوقعه النظام أبدا. وإنتهى الاجتماع بعد ساعات من النقاش دون ان يصل الى نتيجة، في حين اتفق الجميع على انه ومنذ هذه اللحظة وصاعدا، فان علينا "التصرف بحذر شديد”.
ومنذ تلك اللحظة بالفعل، تدخلت سلطات النظام المختلفة لتحاول ان تواسي نفسها.. وقال حسن روحاني رئيس النظام «إن الانتخابات الاميركية لن تؤثر على سياسات الجمهورية الإسلامية في إيران.. وإن الاتفاق النووي مع إيران لن يتغير بقرار من حكومة واحدة». وقال شمخاني رئيس المجلس الآعلى للأمن القومي «ليس هناك بعد امكانية لتقديم تقرير دقيق بهذا الخصوص (أي فوز ترامب)». وأكد علي لاريجاني رئيس البرلمان في لقائه مع 100 من اعضاء «كتلة الولاية» في البرلمان الإيراني، على «ضرورة تجنب اتخاذ المواقف المتسرعة والتنبؤ المبكر حول الرئيس الاميركي المنتخب».
ويؤكد النظام الإيراني سواء في مناقشاته الداخلية أو في مواقفه العلنية ومقالاته المنشورة في الجرائد الحكومية «أن جميع الاشخاص الذين سيشاركون في ادارة ترامب لهم قاسم مشترك واحد وهو أنهم جميعا ضد إيران.. وبالنتيجة فان الأمور وبأي اتجاه سارت ستكون على حساب إيران». ومن هذا المنطلق فان سلطات النظام الايراني ترى بشكل واضح لا مواربة فيه، ان اي تركيبة تأتي على الحكم الان في الولايات المتحدة، ستكون في غالبيتها على علاقات ودية مع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية "المعارضة"، وان كثيرا من اعضاء هذه التركيبة شاركوا والقوا خطابات مرات ومرات في مؤتمرات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في باريس وغيرها من المدن الأوروبية والاميركية.
وقد نشرت وسائل الاعلام الإيرانية، صورا عديدة لمرشحين بتولي وزارات اميركية مختلفة من قبل ترامب، وهم يلتقون رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي.
إن تقييم السلطات الإيرانية في مناقشاتها الداخلية، خلصت الى ان العقوبات التي سيتم فرضها ضد إيران ستصل إلى نفس المستوى التي كانت خلال حكم الرئيس الإيراني السابق محمود احمدي نجاد. وقد توقع المدعو أزغندي وهو من المستشارين القريبين من خامنئي «أنه وبعد فرض هذه العقوبات فان هناك احتمال كبير أن تندلع حرب ضد إيران إن لم يكن في الجولة الأولى ولكن قد تحدث في الفترة الرئاسيية الثانية لترامب».
وإذا اردنا ان نقوم بتلخيص الموقف الحالي للنظام الإيراني، فاننا نرى بلا شك مدى الرعب والخوف الذي يستولي على دوائر صنع القرار في طهران، وهذا الامر أجبر خامنئي على ان يشدد في لقائه مع اعضاء قوات حشد النظام (الباسيج) في ”جميع انحاء البلاد” يوم 23 نوفمبر الماضي «نخاطب ضعاف النفوس من الذين اكتنفهم الخوف من العدو وطغت عليهم فكرة ”اننا عاجزون”» وحول تمديد العقوبات على إيران لفترة عشرة اعوام في الكونغرس الاميركي قال: «فلو تم تنفيذ هذا التمديد فإنه يعد انتهاكا للاتفاق النووي بالتاكيد وليعلموا بأن الجمهورية الاسلامية الايرانية ستبدي رد الفعل ازاء ذلك».
ونسأل هنا باستغراب.. لماذا لا يشير خامنئي هنا إلى نوعية ”رد الفعل”؟
إن خامنئي وعلى رأس نظام الملالي يعرف معرفة جيدة أن نظامه الآن على مفترق طرق. إما أن ينتهك الاتفاق النووي مع الغرب وينسحب منه ويدخل في مواجهة مع البلدان الغربية وهذا هو الانتحار، أو انه لا يمتلك القدرة على انتهاك هذا الاتفاق والانسحاب منه لنفس السبب الذي جعله يرضخ لهذا الاتفاق. اذن ورغم قبول هذا الاتفاق، فان عليه ان يرضخ الآن لعقوبات قد تكون خانقة اكثر من فترة رئاسة نجاد، وهذا بحد ذاته هو الموت التدريجي. ولهذا السبب يصف خامنئي الخيارين بالانتحار او الموت بـ"المواجهات العسكرية أو الحرب الناعمة"، حيث يؤكد في اللقاء نفسه بانه «يجب على المواطنين تجهيز انفسهم للمهام التي يكلفون بها سواء في مجال المواجهات العسكرية أو الحرب الناعمة».
* خبير استراتيجي إيراني معارض يقيم في باريس