بقلم: المحامي
معتصم أحمد بن طريف
أن المتابع للمشاهد الفوضى المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي،
وعمليات إطلاق النار التي حدثت في أعقاب العرس الوطني عند خروج النتائج الأولية
لمجلس النواب التاسع عشر وما شاهدنه من خرق لامر الدفاع رقم (20) من التجمعات في
ضل جائحة كاورونا، يلاحظ أن أكثر من قاموا بهذه الأعمال هم عبارة عن شباب تتراوح
إعمارهم بين الثلاثون والعشرون عاما واقل من ذلك، هذه الظاهرة أرى انها بحاجة إلى
دراسة معمقة لا تقتصر فقط على علماء الاجتماع، وإنما يجب أن تُدرس من قبل جهات عدة
للوقوف على هذه الظاهرة وردها لأسبابها الحقيقية دون مواربة، وذلك للعمل على حلها
قدر الإمكان ومن- وجهة نظري- أرى أن أسباب خروج هؤلاء الشباب بهذه المظاهر المزعجة
وانتشار ظاهرة البلطجة عند بعظهم يعود إلى ما يلي وعلى سبيل الحصر:
1. نشوء
هذا الجيل في ضل حكومات مختلفة مثل حكومة الصلعان وحكومة الديجتال وحكومة
الاستدانة من صندوق النقد وحكومة السردين وبطاريات السيارات وحكومة النهضة موظفين
صندوق النقد الدولي، هذه الحكومات التي صدعت رؤوسنا بانها الحكومات المخلصة
للمشاكل الاقتصادية المتردية وغيرها من المشكلات وانها القادرة على الحلول، وذلك
من خلال برامج واجندات مستوردة من هإرفاد واكسفورلم يكن لها اثر فعال على حل أي
مشكلة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية إلا بزيادة حجم الدين العام وزيادة حجم
البطالة بين صفوف هؤلاء الشباب الذين اصيبوا بالإحباط مما يشاهدوه من تردي للأوضاع
ومن تخبط الحكومات بهذه الملفات.
2. نشوء
هذا الجيل على سلطة تشريعية ضعيفة برلمانات معينة - كما ادعى كثير من المسؤولين عن
هذه البرلمانات – فنشئ بعضا من هذا الجيل في عهد برلمان ال111، وبرلمان الدبلوم،
وبرلمان الفضائيات ورجال الأعمال، وبرلمان المقاولين، وغيرها من البرلمانات، وشاهد
هذا النشئ تصرفات بعض البرلمانين في حماية البلطجة وذلك بالتوسط للبلطجية امام
الجهات الحكومية، هذه التصرفات جعلت البعض من هذا النشئ ينظر إلى البرلمان على انه
أحد معاقل الحماية والتهرب من المحاسبة امام الجهات الحكومية والشعبية، فعاش بعضًا
من هذا النشئ بين براثين هذه البرلمانات وشاهدوا بعيونهم وسمعوا بأذانهم كيف تتم
عملية الشراء والبيع للأصوات، مما رسخ قناعة عند كثير من هذا النشئ أن البرلمانات
بهذه الشاكلة، وان تشكيلها يسير بهذه الطريقة، وخاصة عندما نجح عدد كبير من
البرلمانين السابقين والحالين بهذه الطريقة، جعلت هذا النشئ محبط من البرلمانات
وليس له امل فيها إلا بالبحث عن شخص يمثلهم سواء باسم العشيرة أو بأي مسمى، لان
الغاية اصبحت من النائب في نظر هذا النشئ هو في حمايته وذلك بالتوسط له امام
السلطات فيما إذا أقدم على ارتباك خطاء يجب المحاسبة عليه، وعلى ضوء المفهوم
السابق لدى هذا النشئ جعله يتصرف بهذا الغضب العارم على عدم قبول بعض النتائج لبعض
المرشحين وجعله يعبر بهذه الطريقة الهمجية المرفوضة، وبالمقابل كان التعبير عن
الفرح بهذه الطريقة المرفوضة بإطلاق الاعيرة النارية والشعارات المستفزة.
وعليه سواء كانت هذه التصرفات من قبل هذا النشئ بهذه الطريقة هذه أو
تلك فمردها هو فقدانهم إلى مفهوم المواطنة الفاعلة، ومعنى أن تكون مواطنًا صالحا
تترتقى مواطنته إلى حد الوطنية مع العلم أن جلالة الملك -أطال الله في عمره- قد
أشار إلى هذا المفهوم وضرورة ترسيخه لدى النشئ قبل ما يقارب الثماني سنوات عندما
أشار في الورقة النقاشية الرابعة بعنوان "نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة
فاعلة" بتاريخ 2 حزيران/يونيو 2013، أي لو اختصرنا من إعمار هذا النشئ ثماني
سنوات وتم تنفيذ الرؤية الملكية في الورقة النقاشية الرابعة من تاريخ إصدارها إلى
يومنا هذا وتم ترسيخ مفهوم التمكين الديمقراطي والمواطنة الفاعلة في فكر هذا
النشئ، لا استطعنا أن يكون لدينا جيل متمكن ديمقراطيا ومتمع بمواطنة فاعلة وجيل
وطني مستعد للتضحية بالغالي والنفيس من أجل وطنه، وعليه فغياب هذا المفهوم نتيجته
ما شاهدناه من مشاهد مؤلمة مما زادت من فجوة الثقة بين هذا النشئ وبين سلطات
الدولة المختلفة، وجعلهم يبحثون عن البديل لحمايتهم وللاسف من مؤوسسات الدولة وذلك
بالجوء إلى المكون الضيق، مثل العشيرة أو المناطقية أو الشلليلية أحيانا، ومرد ذلك
كله يعود إلى تقاعس الحكومات المتعاقبة اعلاه، عن القيام بواجبتها تجاه هذا النشئ
في ترسيخ مفهوم التمكين الديمقراطي والمواطنة الفاعلة، فهل يتم محاسبة هذه
الحكومات والبرلمانات السابقة على هذا التقصير في تنفيذ رؤية جلالة الملك في ترسيح
مبدأ التمكين الديمقراطي والمواطنة الفاعلة؟ هذا التقصير والتقاعس من قبل الحكومات
المتعاقبة هو السبب في هذه الفوضى.
واخيرًا للخروج من هذه الفوضى مستقبلا على الحكومة الحالية القيام
وبأسرع وقت ممكن العمل على تنفيذ رؤية جلالة الملك في الورقة النقاشية الرابعة في
ترسيخ مفهوم التمكين الديمقراطي والمواطنة الفاعلة لدى النشئ الجديد حتى لا نرى
هذه المشاهد الفوضوية المؤلمة مستقبلا.
E. mail:
[email protected]