بقلم: د. طلال طلب الشرفات
لم نتردد أبداً عندما أعلنا غير ذي مرة
انحيازنا لقرارات حكومية باعتبار ذلك انحيازاً للدولة ولمقتضيات المصلحة الوطنية
العليا، ولم نتوجس خيفة من تأييدنا لرئيس الحكومة عندما انحاز لمعايير الشفافية
والنزاهة في تحصين المؤسسات الرقابية، وحوكمة التشريعات والسياسات والقرارات،
وهللنا لعزم الحكومة في تعديل منصف لقانون الكسب غير المشروع وقانون النزاهة،
وبقينا في كل مرة نحثّها على مزيد من الانحياز لمعايير المساءلة وسيادة القانون
واحترام قواعد المسؤولية التي تتطلبها حسن سير المرافق العامة.
عندما نحاكم السياسات والقرارات
والأخطاء بمسؤولية، ندرك أننا نسير في ركاب الوطنية الناجزة. وحيثما نتخلى عن
الرغائبية المقيتة تقتضي قواعد الإنصاف أن يتساوى لدينا مفهوم الإشادة والنقد في
تقييم الأداء العام، وأن نعلن غير آبهين بضرورة تصحيح المسار الحكومي إلى جادة
الصواب والحذر والاهتمام بمفاهيم الحكم الرشيد والحاكمية الامينة، وبما يحترم
قواعد المساءلة السياسية والمسؤولية الوطنية التي تفترض تطبيق مصفوفة الالتزامات
الأخلاقية والسياسية المتبادلة بين الحكومة والشعب في تطبيق سيادة القانون.
لا يضير الحكومة ولا ينتقص من مكانتها
الدستورية وقدرها السياسي أن تتخذ من القرارات ما ينسجم ويلائم توصيات اللجنة
المشكلة بخصوص حالات التسمم الجماعي في عين الباشا والتي تفترض في حدها الأدنى
إقالة المسؤولين عن التقصير في الصحة والغذاء والدواء بما فيهم الوزير المعني. ولم
يكن لائقاً أن تتكرر التجربة الأردنية القاسية في قصور المساءلة إلى مستويات تثير
الاستياء والإدانة والأعياء والاكتفاء بتوصيات نظرية تثير الحنق والقلق في مدى
جدية الحكومات في احترام مصير الناس ومساءلة المقصرين بحقهم.
القصور الذي رافق الإخفاق الكبير في
ضبط الرقابة الوبائية على المنافذ الحدودية يتجاوز الإهمال وسوء التقدير إلى مستوى
تعريض سلامة الوطن والمواطنين للخطر، وحالة الانفلات في الالتزام بالمعايير الصحية
في الإجراءات الجمركية. وأساليب الفحص الفني التي تتطلبها عملية دخول وخروج
المسافرين والبضائع تؤكد أن الحرص المميّز والاحترافية التي رافقت جهد الحكومة في
الأشهر الخمسة الأخيرة كاد أن يتلاشى في غمضة عين أمام صلف البعض ونكوص البعض
الآخر بتعريض ألأمن الوطني لمنزلاقات وبائية واقتصادية قد تؤثر على الوطن لزمن
بعيد. وهنا نتساءل من المسؤول سياسياً وقانونياً عما جرى؟ ومتى ستتم المساءلة ؟
وكيف؟.
المعادلة الوطنية أبسط بكثير من أن
نتسامر حتى ساعات الصباح لتحليلها وتفسيرها، الثواب والعقاب، المواطنة والوطنية،
الشفافية والمساءلة، العدالة وسيادة القانون، والنزاهة في حب الثرى والكيان
والكينونة، المعادلة الوطنية لا تحتمل النفاق والاستقواء والاستعراض وتغليب
المصلحة الخاصة على مصالح الوطن والشعب. المعادلة الوطنية هي وحدها التي تجعل من
ذكرى الأردني الحر عبيراً يخالط روائح دماء الشهداء. المعادلة الوطنية هي وحدها
التي تحفظ لنا الكبرياء الوطني، وكرامتنا المحلقة في فضاء العدالة الراسخة.
لعلني لا أجد بداً من مطالبةالحكومة
باتخاذ إجراءات تتلائم مع الإخفاقات التي ذكرت، ولعل منطق احترام الذات يوجب علينا
أن ننسجم بين مقتضيات إسناد الحكومة، وموجبات نقد بوادر التقصير وتصحيحه، وبدون
ذلك نفقد بوصلة المواءمة في تطبيق قواعد الأخلاق الوطنية في التعبير عن الرأي.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الاصيل وقيادتنا الحكيمة من كل سوء ...!!