بقلم: م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران
في العام 2010 الميلادي لم يحتمل قلمنا مأساة فقدان أحد طلاب جامعة البلقاء التطبيقية رحمه الله نتيجة للعنف الجامعي في ذلك الوقت، وطالبنا يومها أن يخرج جميع الطلاب في اليوم التالي هاتفين بصوت واحد "كلنا للأردن" درءاً للفتنة، ثم كتبنا بعدها بعامين "واعيباه" عندما إندلع العنف الجامعي مجدداً في جامعة مؤتة حاملاً الإساءة للجامعة وللتعليم ولكل مخلص للوطن، ولم ننتظر كثيراً قبل العودة بسطور مقالتنا "عظم الله أجرنا في جامعاتنا" بعد أن بلغ السيل الزبى العام 2013، عند تجدد مأساة فقدان شاب آخر من شباب الوطن بسبب العنف الجامعي في جامعة مؤتة قبل تخرجه من كلية الهندسة بأسبوعين فقط رحمه الله، ولم تكن هذه الحوادث وحيدة أو متفردة بل متجددة بين فينة وأخرى في جامعاتنا منذ سنوات طويلة للأسف، واليوم بعد تجدد هذه المهزلة وفي الجامعة الأردنية نهاية الأسبوع الفائت، والتي سلمنا الله من فقدان أحد شبابنا فيها من جديد نعود ونقولها بأعلى صوت: كفانا ذبحاً لسمعة التعليم في بلادنا، التعليم الجامعي في الأردن الذي طالما كان عالياً يعانق السحاب ويضرب به المثل في الالتزام والمخرجات، والذي باتت هذه الممارسات الغير مسؤولة تهدد سمعته وتضربها في الصميم مع تكرارها وتفاقمها في السنوات الأخيرة، ولا ندري إلى متى يقف المسؤولين عاجزين عن إيجاد حل لمثل هذه الممارسات، والمفارقة أن يأتي تصويت مجلس الشعب النيابي على الثقة بالحكومة في مساء اليوم ذاته الذي تجددت به أحداث الجامعة الأردنية، وقد تمنينا للحظة أن يحجب المجلس الثقة عن الحكومة غضباً مما جرى على الأقل إن لم يحجبها لأي سبب آخر، بل تمنينا لو حجبت الثقة عن الحكومة ولو بالاتفاق معها فقط لاشعار الشعب بأن النواب قد غضبوا من أجل أبنائه ووقفوا معهم موقفاً مشهوداً، لا أن تحصد الحكومة الثقة بثلثي أصوات المجلس ومن الجولة الأولى !
ولنكن صريحين إن كنا نريد حلاً جاداً لهذه المعضلة، فبداية القول أننا لا نتفق إطلاقاً مع من يقول بأن العشائرية هي سبب كل ما يجري من مشاكل، فالانتماء الصحيح للعشيرة والعائلة لم يكن يوماً إلا سبباً لرفعة الأوطان وتعزيز قوتها وتماسك أبنائها، ولكن المشكلة تكون عندما يصبح الانتماء للعشيرة أو المنطقة أو العائلة أو النادي أو الحزب أو أي إنتماء آخر أكبر من الانتماء للوطن، ومن هنا تكون البداية، فيجب العمل على تعزيز إنتماء الشباب لوطنهم، كل شباب الأردن بكافة أصولهم ومنابتهم وإنتماءاتهم وبدون "خيار وفقوس"، لنقطع الطريق على كل من يعمل على تفريغهم من تاريخ وطنهم وفصلهم عنه، ولننظر على سبيل المثال ماذا فعل مسؤولي الرياضة في المملكة العربية السعودية عندما وجدوا في الأعوام الماضية بعض جماهير الأندية تردد أناشيد خاصة بأنديتها قبل مبارياتها، لم يمنعوا أو يعاقبوا بل أصدروا قراراً رسمياً قبل عام بترديد نشيد السلام الملكي السعودي قبل كل مباراة من مباريات الدوري السعودي، فأصبحت ترى حماس الجماهير في ترديد النشيد الوطني لبلادهم بل وحتى بعض اللاعبين المحترفين "غير السعوديين" ، ولم تعد تسمع أي نشيد من أناشيد الأندية يعلو فوق نشيد الوطن.
وبما يخص الأمن الجامعي، طالما طالبنا منذ سنوات طويلة وأكثر من مرة كما طالب غيرنا كثير بضرورة إعادة تشكيل الأمن الجامعي وتعزيزه بكوادر مؤهلة قادرة على ضبط الأمن، ومنحهم صلاحيات الضبطية القضائية بتحويل أي طالب يتجاوز القوانين للأمن والقضاء، وبغير ذلك سيبقى الأمن الجامعي مطية لكل من يفكر باقتحام الجامعات أو الاساءة لأبنائها.
ثم علينا أن نتذكر أن هؤلاء الشباب المخطأ قبل المصيب منهم هم عقال الرأس لهذا الوطن وأساس مستقبله، ولذا كان علينا أن نسمع منهم ونجلس معهم ونعمل على إستيعابهم، ولو أخطأوا فالفصل من الجامعة لا يعني أن نرميهم خارج إطار التعليم في بلادنا وننسى وجودهم في المجتمع، تاركينهم نهباً لمن يتخطفهم للتطرف والادمان والدمار لهم ولمجتمعاتهم، بل على العكس علينا إستيعابهم في برامج تأهيلية تعلمهم كيف يخدموا في الجامعات التي أساؤوا لها، وفي المؤسسات الوطنية ليعرفوا قيمة الوطن والحفاظ على مقدراته، وعندها سيعلم من يتلف مقعداً في جامعة أنه سيكون عليه العمل في خدمة الجامعة بقيمة ما أتلف عدا عن العقوبات الأخرى التي ستطاله، ومثل هذا الأمر لن ينجح بدون التنسيق بين وزارات الداخلية والتعليم العالي والشباب وغيرها من الوزارات الأخرى المعنية، إضافة لضرورة تعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة في بلادنا، ليتعلم شباب الوطن تاريخ بلدهم، تاريخ كل بنات وأبناء الوطن بكافة دياناتهم وأصولهم وأطيافهم وألوانهم فيه، ليعرف المسلم والمسيحي تاريخ وتضحيات بعضهم البعض، وليعرف كل أصحاب الأصول المختلفة من شركسية وشيشانية وعمانية ومعانية وإربداوية وبقعاوية وزرقاوية وفلسطينية وجرشية وعجلونية وبلقاوية وطفيلية وكركية ومفرقاوية ومأدباوية معنى أن كل منهم قطع غيار لبعضهم البعض، وأن تراب الوطن لا يشرق إبداعاً ولا يستقيم عوده إلا بهم جميعاً يداً واحدة موحدة متماسكة.
دولة رئيس الوزراء، معالي وزير التعليم العالي، معالي وزير الداخلية ومعالي وزير الشباب وكل مسؤول معني بالأمر، إتقوا الله في شبابنا، فهم أمانة في رقابكم ستسألون عنها أمام رب عادل، وأنتم اليوم في موقع المسؤولية وعليكم تدارك الأمر، أو ترك المكان لغيركم إن كنتم عاجزين، فلا يمكن إنتظار الحرائق تندلع في خاصرة الوطن وعنوان مستقبله ونحن نتفرج، ولنحافظ على شباب الوطن ليبقوا وروداً تنثر طيب شذاها في كل مكان يتواجدون فيه، وكلنا يرى النماذج الأردنية الشابة المشرفة التي ترفع إسم الأردن يوماً بعد يوم في أماكن ومجالات مختلفة، فلنعمل على إستثمار طاقات هؤلاء الشباب ليس بالعنف والتهميش، بل بالحوار والتفاهم ليكونوا دائماً حائط الصد الأول بوجه كل متربص جبان يسعى لاسقاط الوطن والنيل منه، وليتنا نرى إدارة الجامعة الأردنية بعد الانتهاء من تبعات ما جرى تنظم مسيرة مع شباب الجامعة يتقدمها رئيس الجامعة لرفع شعار واحد فقط: "كلنا الأردن وكلنا فداء للوطن" للرد على كل من تسول له نفسه الاساءة للوطن وشبابه وأم الجامعات فيه، بل والاساءة لكل من وما فيه.