كانت الإذاعة تنقل لنا صورة صوتية
مباشرة من مطار عمان، في ذلك الحين، عن وصول أحد الزعماء في زيارة رسمية لبلدنا،
وكان المذيع يروي لنا ما يشاهده بعينيه لحظة بلحظة، خلال تحليق طائرة الضيف في
أجواء المطار، إلى أن تحط على مدرج المطار، قائلا “وها هي طائرة الضيف تتوجه رويدا
رويدا نحو المكان المخصص لمراسم الاستقبال” ثم يكمل بقية التفاصيل قبل وبعد عزف
السلام الوطني لدولة الضيف، والسلام الملكي، واستعراض حرس الشرف إلى أن يغادر
الجميع أرض المطار.
تذكرت تلك الأيام التي كان فيها الزمان
غير هذا الزمان، الذي أصبح فيه التواصل بين قادة الدول يتم عبر تقنيات الاتصال على
شبكة الانترنت، وقد تغيرت أحوال العالم كله بعد جائحة كورونا، التي أغلقت بسببها
الحدود والموانئ والمطارات، وأصبح السفر عملية بالغة التعقيد والتكاليف، حتى أن
الدراسات كلها تجمع على أن قطاع النقل والسياحة والسفر هو الأكثر تضررا من تفشي
الوباء، وقد تضرر معه كل شيء يرتبط به من استيراد وتصدير وخدمات وتشغيل للقوى
البشرية الهائلة التي فقدت وظائفها بنسب عالية!
في سياق موضوعي وضعت الحكومة مع الجهات
ذات العلاقة خطة لإعادة فتح مطار الملكة علياء الدولي ضمن حسابات وإجراءات تتعلق
اساسا بحركة الطائرات قدوما ومغادرة، تبعا لمستوى تفشي الوباء من بلد لآخر، وبناء
على الحقائق التي أظهرت أن الأردن تمكن من السيطرة عليه محليا، وأن معظم الحالات
التي يتم تسجيلها هي لأشخاص قادمين من دول الجوار، ومعظمهم من سائقي الشاحنات،
بالإضافة إلى القادمين جوا من عدة بلدان، ويقضون أسبوعين في المناطق المقررة
للحجز.
قرار فتح المطار مع هذا القدر من
التحسب والحذر أثار ردود أفعال مختلفة ومتناقضة، ما بين متفهم للدوافع والتوقيت،
وبين منتقد لما يراه نوعا من المبالغة التي تجعل منه قرارا عديم الفائدة، وفي
اعتقادي أن الحد الفاصل بين وجهات النظر يكمن في الإقرار بأن عالم ما قبل كورونا،
غير عالم اليوم الذي سيظل يتعايش مع هذا الوباء، ربما لسنوات طويلة، ما بين
السيطرة على انتشاره، وايجاد المطاعيم واللقاحات التي تحصن المجتمعات، بما في ذلك
الولادات الجديدة!
أزمة كورونا مستمرة، وكل ما حصل هو نوع
من الاعتياد على المجهول، وضبط المخاوف نتيجة الوعي المتزايد مع الوقت، حول وسائل
وإجراءات السلامة الشخصية والعامة، ولا يعني النجاح الذي حققناه في السيطرة على
انتشاره في بلدنا أنه بمقدورنا الاقلاع نحو كل البقاع، ولا هبوط الآخرين على مدارج
مطاراتنا من دون اتخاذ الإجراءات التي تجعل طائراتنا العائدة، وطائراتهم القادمة
تهبط بسلام وتسير على مدارج الأردن، رويدا … رويدا!