يأتي شهر رمضان هذا العام مختلفا تماما عمّا كان عليه من قبل، نسبةً لما يمر به المسلمون والعالم جرّاء جائحة كورونا، حيث غابت الكثير من مظاهر الاحتفاء بقدومه، واختفت أجواء الفرح المعتادة بحلول لياليه، واحتجب الناس في بيوتهم طائعين أو كارهين، أمّا ما كان له كبير الأثر في وجدانهم، فهو إغلاق المساجد لأول مرة، فغابت العبادة الأبرز في شهر الصيام، وهي صلاة التراويح، عندما كانت المساجد تغص بالمصلين.
أمّا من التغيرات التي طالت هذا الشهر كان اضطرار العائلة للجلوس إلى التلفاز، يشاهدون ما يقدم من برامج، وقد فرضت هذه الأعمال نفسها هذا العام أكثر من ذي قبل.
غالبا ما يستعد أهل الفن مبكرا لتحضير أعمالهم، التي يطمعون أن تُعرض في هذا الشهر، توقعاً منهم لزيادة نسبة المشاهدة فيه، وعلى الرغم من أن زمن الكورونا بدأ قبل رمضان بزمن قصير، لكن يبدو أن الحجر المنزلي كان مغريا هذا العام للاستثمار فيه.
مع بداية الشهر ظهرت العديد من الأعمال، التي قصدت استقطاب المشاهدين؛ بعضها هدف لكسب الشهرة الزائفة، وبعضها ليسعد الناس أو يفيدهم، وقسم أراد أن يسوق لأفكارٍ طالما كانت مرفوضة، لكنها اليوم باتت متداولة كوجهات نظر.
من البرامج التي أثار اهتمامي بها الأبناء كان برنامج "رامز مجنون رسمي"، وقصدت أن أجاملهم بمشاهدة أولى حلقاته، وكم كان مذهلا حجم السفه الذي يحتويه، حيث يعكس فشل مقدمه المريع، لكنّ المسؤولية عن هذا السفه تطال مقدمه وضيوفه على حد سواء، وتبدو نظرية المؤامرة -مقبوضة الثمن- على المشاهد، خاصة الصغار منهم، هي الرائجة، ودالة ذلك أنه لم يقم أحدٌ من المشاركين برفع دعوى -مثلا- عبر السنوات، أو طلب وقف البث بسبب ما قابله من تهريج.
يزخر رمضان هذا العام -أيضا- ببرامج الكاميرا الخفية، والتي يفترض أن تسعد الناس المحجورين ببيوتهم، وترسم الابتسامة على شفاهم من خلال مقالب خفيفة، كما كان في السابق، لكنّها اليوم تتنافس في تقديم المقالب المرعبة، والمبتذلة، بل وجدنا بعضها يتعمد السخرية من البسطاء، ومن فقرهم.
منذ سنوات كنت من المتابعين لما يقدمه الفنان السعودي ناصر القصبي، وكم سعدنا بأجزاء طاش ما طاش، وما قدّمه مع السدحان وأخرين من كوميديا راقية، أفرحت الناس حقا، وقدّمت نقدا لاذعا للإدارة العامة، وقليلا ما اختلف السعوديون على فنه، إلّا في حلقات نادرة خاصة تلك التي تعرضت للإسلام السياسي، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقاً، لكننا وجدنا أعماله في السنوات القليلة السابقة تُغرق في السياسات، أو تغوص في الخلافات، مثل الخلاف مع دولة قطر، وهذا من الخطر على الفن والفنان، فالفنانون والرياضيون عندما يقتربون من أهل السلطة وانقساماتهم، فإن حالهم أشبه ما يكون بالفراشة التي ترقص حول اللهب لتحترق فيه.
يقدم القصبي هذا العام مسلسه بعنوان "مخرج 7"، مقتربا جدا مما أصاب المجتمع السعودي من تحولات دراماتيكية، لم يعتد عليها من قبل، مثل سياسة تمكين المرأة في المجتمع، وضخ الدماء الجديدة في المؤسسات، والاحتفاء بالمناسبات التي كانت محرمة من قبل، وبعد ذلك التطبيع مع إسرائيل.
بذكاء، يطرح المسلسل فكرة التطبيع، بإنها قضية خلافية في المجتمع، بل في الأسرة الواحدة، وأن هناك اتجاهين متناقضين حول الموضوع؛ بين مؤيد بشدة ينشد المكاسب المادية بإقامة العلاقات مع "العدو الصهيوني الشقيق"، وإن الاستثمار في القضية ما كان مقدّرا أو مفيدا، وبين منكرٍ بشدة، يرفض مجرد التلميح للتطبيع مع الكيان الغاصب لفلسطين.
لا يمكن اعتبار مسلسل القصبي مجرد عملا فنيا يعكس رؤية العاملين فيه، بقدر ما يعتبر جس نبض للمجتمع السعودي والعربي من تحولات عظيمة قادمة في الطريق، ويسند هذه النظرة مسلسل أخر قادم من الكويت بعنوان "أم هارون"، يروج لحقوق اليهود الذين غادروا ديارهم لدى العرب مختارين، ويطرح مظلوميتهم عند العرب وفي إسرائيل، ويتجاهل حقوق ملايين العرب في بلادهم التي هُجّروا منها مكرهين، ورحم الله زمنا كان فيه مجرد ذكر إسرائيل يعتبر خيانة عظمى.
* الدوحة - قطر