القسم : بوابة الحقيقة
بين التبليغ عن المصاب بفايروس كورونا والمحافظة على السر الطبي
نشر بتاريخ : 4/28/2020 1:22:30 PM
الدكتور رائد بيان

بقلم: الدكتور رائد بيان

 

 ساهمت الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعه ووسائل التواصل الاجتماعي في توعية المواطنين بأعراض الإصابة بفايروس كورونا وطرق الوقاية منها، إلا أن المسؤولين عن حملات التوعية قد أهملوا جانب مهم جدا، وهو التوعية القانونية حول الموضوع ذاته فكان لابد من الضرورة إلى جانب التوعية الطبية والصحية واتخاذ كافة التدابير الاحترازية التركيز على نشر التوعية القانونية بهذا الخصوص وبيان ما يترتب على مقدم الخدمة الطبية والصحية اتخاذه في حال اكتشافه لأي مصاب بهذا الفايروس المستجد والخطير من التوجه للسلطات المختصة والتبليغ عن الحاله المرضية المكتشفه، فهل تقوم بحقه المسؤولية القانونية بجنحة افشاء السر الطبي؟ من خلال هذا المقال سنجيب على هذا التساؤل وفقا لأحكام القانون الأردني.

 

 بادئ ذي بدء تتحقق ثقة متلقي الخدمة الطبية والصحية بمقدم تلك الخدمات من خلال الحفاظ على أسراره الطبية، حيث أن أخلاقيات مهنة الطب تؤكد على ضرورة المحافظة على أسرار المرضى التزاما بالقسم الطبي والذي هو من أساسيات مزاولة مهنة الطب، والتزاما بالمواثيق الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، بالاضافة للقوانين الجزائية والتشريعات الصحية للدول، فمقدم الخدمة الطبية والصحية لا يعتبر ممارسا لمهنته إلا بعد حصوله على المؤهل العلمي لتلك المهنة، ولا يمكنه مزاولة المهنة إلا بعد اداءه لقسم المهنة  الذي يلزمه بضرورة توخي المحافظة على صحة الإنسان بالإضافة الى عدم إفشاء أي سر خاص وصل الى علمه عن طريق مهنته سواء كان هذا السر مما عهد به اليه متلقي الخدمة وائتمنه عليه أم كشفه مقدم الخدمة بنفسه أم سمع به.

 

 لقد عرفت المادة الثانية من قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم (25) لسنة 2018 مقدم الخدمة بـــــــ:" أي شخص طبيعي أو اعتباري يزاول مهنة من المهن الطبية أو الصحية ويقوم بعمل من أعمال الخدمة أو يشترك في القيام بها وفقا لأحكام التشريعات المعمول بها"، وعرفت الخدمة بـانها:" الإجراءات الطبية أو الصحية التي تقدم من مقدم الخدمة أو يشترك بها في مكان تقديم الخدمة"، فالخدمة الطبية والصحية هي ذلك النشاط الذي يقوم به الشخص المختص كالطبيب أو الصيدلاني أو الممرض أو فني الأشعة أو فني المختبر ...الخ من أجل شفاء المريض طالما كان هذا العمل يستند إلى الأصول والقواعد والاعراف والتشريعات الطبية المقررة في علوم الطب، والتي تفرضها طبيعة عمل مقدمي الخدمة، وتحتوي الخدمة الطبية على كافة الإجراءات الطبية والصحية المقدمة من مقدم الخدمة أو أي شخص يشترك في القيام بها في مكان تقديمها.

 

 وعلى مقدم الخدمة الطبية والصحية سواء في القطاع العام أو الخاص واجب المحافظة على اسرار متلقي الخدمة (المريض) ولا يجوز له الافشاء عن اية معلومات حصل عليها أثناء علاقته المهنية، كما لا يشترط في المحافظة على السر أن ينبه المريض مقدم الخدمة الطبية والصحية للحفاظ عليه، وهذا ما اكدت عليه المادة (22) من الدستور الطبي الاردني بنصها التالي: (يدخل في نطاق السر الطبي كل ما يطلع عليه الطبيب من أحوال مريضه الصحية والاجتماعية وما قد يراه ويسمعه أو يفهمه من مريضه أثناء اتصاله المهني به من أموره وأمور غيره)، كما اشارت الفقرة (هـــ) من المادة (8) من قانون المسؤولية الطبية والصحية سالف الذكر  الى ضرورة المحافظة على السر الطبي وقد جاء في نصها بانه: "يحظر على مقدم الخدمة ما يلي:-... إفشاء أسرار متلقي الخدمة التي يطلع عليها أثناء مزاولة المهنة أو بسببها سواء أكان متلقي الخدمة قد عهد إليه بهذا السر وأتمنه عليه أم كان مقدم الخدمة قد أطلع عليه بنفسه...)، كما اكدت قوانين النقابات المهنية بضرورة المحافظة على السر الطبي كالمادة 14 من قانون نقابة الاطباء الاردنية رقم 13 لسنة 1972 وتعديلاته والمادة 12 من قانون نقابة الممرضين والممرضات والقابلات القانونيات رقم 18 لسنة 1972 وغيرها.. واخيرا فقد ورد النص بتجريم إفشاء السر الطبي بالمادة 355/3 من الفصل الثاني من الباب الثامن تحت عنوان الجرائم الواقعة على الحرية والشرف من قانون العقوبات الاردني رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته والتي نصت على مايلي:- "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من:- 1-...2-.... 3- كان بحكم مهنته على علم بسر وأفشاه دون سبب مشروع".

 

 اما قانون الصحة العامة الاردني رقم (47) لسنة 2008 فقد عرف المرض المعدي بنص المادة (17) من الفصل الخامس منه بانه: "المرض الناتج عن الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات وما شابهها أو عن سمومها ويمكن للعامل المسبب للعدوى أن ينتقل الى الانسان من مستودع أو مصدر العدوى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة"، وعرفت المادة ذاتها المصاب بانه: "كل شخص أصيب بعدوى ناجمة عن العامل المسبب للمرض المعدي"، وقد أوجبت المادة (20) من قانون الصحة العامة سابق الذكر مقدم الخدمة الطبية والصحية بضرورة أن يبلغ المدير في منطقته عن الاصابة او الوفاة بهذا المرض خلال اربع وعشرين ساعة من حدوثها، اما اذا كان المرض خطيرا او منتشرا بشكل وباء فيكون التبليغ فوريا، كما تجدر الاشارة هنا لنص الفقرة (ط) من المادة (7) من قانون المسؤولية الطبية والصحية سابق الذكر والتي الزمت مقدم الخدمة الطبية الإبلاغ عن الاشتباه في إصابة أي شخص بأحد الأمراض السارية وفقا للإجراءات المحددة بالتشريعات المنظمة لمكافحة الأمراض الإنتقالية.

 

 وقد رتبت المادة (22) من قانون الصحة العامة سابق الذكر المسؤولية الجزائية على مقدم الخدمة الطبية والصحية في حال عدم التبليغ عن الاصابة بمرض وبائي انتقالي بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر ولا تزيد على سنتين او بغرامة لا تقل عن الفي دينار ولا تزيد على خمسة الاف دينار او بكلتا هاتين العقوبتين وفقا لاحكام البند (3) من الفقرة (ب) من المادة (62) من القانون نفسه مع مراعاة حجم الضرر الصحي وتكرار المخالفة واي عقوبة اشد وردت في أي تشريع آخر، ومنحت الفقره (أ) من المادة (21) سلطة لمدير الصحة المعني بان يتخذ الاجراءات اللازمة وبالطريقة التي يراها مناسبة وعلى نفقة مقدم الخدمة على اساس المبلغ الذي انفق فعلا على العمل مضافاً اليه (25%) كنفقات ادارية، في حين رتبت الفقرة (أ) من المادة (20) من قانون المسؤولية الطبية والصحية انف الذكر المسؤولية الجزائية على مقدم الخدمة الطبية والصحية في حال عدم الإبلاغ عن الاشتباه في اصابة أي شخص بمرض معدي كفايروس كورونا بالصيغة التالية: "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي تشريع آخر: أ- يعاقب كل من يخالف أحكام المادة (7) والفقرات (أ)، (ج)، (د)، (ه)، (و)، (ز) من المادة (8) من هذا القانون بغرامة لا تقل عن (3000) ثلاثة آلاف دينار ولا تزيد على (5000) خمسة آلاف دينار".

 

 إلا أن المشرع الأردني قد أعفى مقدم الخدمة الطبية والصحية من واجب الاحتفاظ بالسر الطبي في حالة الاصابة بمرض معدي كفايروس كورونا وذلك من خلال النص صراحة على ذلك بالبند (4) من الفقرة (ط) من المادة (8) من قانون المسؤولية الطبية والصحية سابق الذكر بالنص التالي: "يحظر على مقدم الخدمة ما يلي:أ...ه- إفشاء أسرار متلقي الخدمة التي يطلع عليها أثناء مزاولة المهنة أو بسببها سواء أكان متلقي الخدمة قد عهد إليه بهذا السر وأتمنه عليه أم كان مقدم الخدمة قد أطلع عليه بنفسه، ولا يسري هذا الحظر في أي من الحالات التالية:-1...4- إذا كان مقدم الخدمة مكلف بذلك قانونا"، كما اجازت الفقرة (ز) من الدستور الطبي الافشاء عن السر الطبي في الحالات التي حددها القانون مثل حالات العدوى.

 واخيرا  حسنا ما فعله المشرع الاردني بإن جعل المحافظة على السر الطبي ضرورة يفترض أن يكون عاما ومطلقا، وذلك بالزام مقدم الخدمة الطبية بالمحافظة على اسرار المريض الصحية والاجتماعية وكل ما قد يراه ويسمعه أو يفهمه من مريضه أثناء اتصاله المهني به، وتغليبا للمصلحة العامة فقد قرر استثناء عدم الامتثال لهذا الالتزام، حيث نجد أن قانون العقوبات والنصـوص المكملة له تقرر استثناءات للتحلل من الالتزام بالسر الطبي من خلال السماح لمقدم الخدمة الطبية والصحية بضرورة وسرعة التبليغ للجهات المختصة عن اي مرض وبائي وانتقالي وعن أي شخص مصاب بهذا المرض المعدي كفيروس كورونا وهي استثناءات وردت على سبيل الحصر لا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها ، لأن الهدف من إقرار هذا الالتزام هو حماية الثقة التي يضعها الناس في شخص مقدم الخدمة الطبية والصحية

 

سائلا الله العلي العظيم أن يحفظكم جميعا ويحفظ وطنا وشعبنا ومليكنا وأُمتنا العربية والإسلامية والبشرية من كل شر.

 

* مستشار قانوني ورئيس قسم تحديث التشريعات والقضايا لوزارة الصحة الاردنية ومدير المكتب القانوني لمستشفى الامير حمزة سابقا

raed_law2001@yahoo.com

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023