- مدى الحاجة لتعديل نص المادة 86 من الدستور الأردني
يعد الحق في المساواة من الحقوق الطبيعية للإنسان بل ومن الحقوق اللصيقة بالشخصية يولد بولادة الإنسان ولا ينتهي إلا بوفاته, ولذا كرّسه و كرّمه المشرّع الدستوري الأردني ليزيّن به صدر دستورنا , فنصّ في المادة السادسة منه على أن : الأردنيون أمام القانون سواء , وهذا هو الأصل, أما الإستثناء فهو اللامساواة , ومن القواعد الأصولية أن الإستثناء يقدّر بقدره ولا يتوسع في تفسيره ويؤخذ ضمن أضيق الحدود .
وعليه فالأصل أن المواطنين - ومنهم أعضاء مجلس الأمة – جميعهم تحت مظلة القانون , والإستثناء عدم خضوع البعض لتلك المظلة , ولكن هذا الإستثناء يتوجب أن يكون معللا مبررا كونه خروجا على الأصل العام , فمن خرق ناموس المجتمع بفعلٍ يشكّل جرماً فالأصل ملاحقته فوراً وعقابه بعد ذلك , ولكن لحكمة قدّرها الشارع جعل ذلك الفعل مباحاً أو منع أو أخّر الجزاء , وتطبيقا لحالتنا هذه فالأصل أن أعضاء مجلس الأمة يخضعون لناموس القانون وسلطانه , ولكن المشرّع ورغبة منه لقيام هؤلاء بتأدية وظيفتهم الجليلة التي تحتّم أن يكون عضو البرلمان طليق اليدين موفور الحرية غير هيّاب في الدفاع عن مصالح الأمة والوطن , منحهم حماية قانونية تتمثل بما يسمّى بالحصانة البرلمانية , والحصانة في اللغة من فعل حَصُنَ أي كَرُمَ و مُنِعَ ومنها المنعة والتحصين , ويقال امرأة حصان بفتح الحاء أي عفيفة , وجمعها محصنات وعفائف , IMMUNITYوهي التي أحصنها زوحها , كما أن الحصانة تعني المناعة ومنها كلمة وتعني الحماية من المقاضاة , وهنا فهي ضمان للعمل البرلماني واستثناء من قواعد القانون وامتياز دستوري , فهي وإن كانت في ظاهرها إخلال بمبدأ المساواة وجرح لمبدأ المشروعية ,إلّا إن هذا لم يتقرر لمصلحة عضو البرلمان بل لمصلحة الأمة التي يمثّلها ولصفته لا لشخصه .
وتقسم الحصانة البرلمانية الى نوعين : موضوعية ( وظيفية ) , وإجرائية , أما الأولى فنصّ عليها المشرّع الدستوري الأردني في المادة 87 وتهدف الى تمكين عضو مجلس الأمة من التعبير عن آرائه دون مؤاخذة حتى ولو شَكّلت أقواله مخالفة قانونية , فهي عفو دستوريٌ مسبق , وشرط استفادته من هذه الحصانة هو شرط مكاني : داخل أروقة مجلس الأمة , وشرط زماني : أثناء انعقاد الجلسات واللجان , وشرط موضوعي : يتعلق بأقواله وآرائه لا بأفعاله , وسقف هذه الحصانة حدود النظام الداخلي للمجلس الذي ينتسب إليه , وإلا خضع لمحكمة مجلسه وأمام زملائه .
أما النوع الثاني فهي الحصانة ضد الإجراءات الجزائية ويقابلها امتياز عدم القبض في النظام القانوني الإنجليزي , حيث نص عليها المشرّع الدستوري الأردني في المادة 86 وتهدف الحصانة الإجرائية الى الحيلولة دون إعاقة أعضاء المجلس عن تأدية مهامهم عن طريق تدبير اتهامات كيدية سواء من السلطة التنفيذية أو من الخصوم السياسيين من خلال تدبير اتهامات تؤدي للقبض على عضو مجلس الأمة والتحقيق معه وتوقيفه عن جرائم لم يرتكبها , بهدف منعه من الوصول الى جلسة هامة كجلسة طرح الثقة بالحكومة أو محاولة عقاب العضو لأنه يسبح عكس تيار الحكومة , ولذا مُنِحَ حصانة تدور مع هذه العلّة , حيث أن النطاق الزمني لها هو أثناء انعقاد الدورات البرلمانية , وسواء كانت دورات عادية او استثنائية , أما نطاقها المكاني فهو خارج أروقة المجلس , مع مراعاة أن العضو قد يرتكب جرائم حقيقية , وللموازنة بين الحالين ( الكيد والحقيقة ) أعطى المشرع العضو حصانة إجرائية توقف اتخاذ الإجراءات الجزائية وملاحقته عنها طالما كان هناك انعقاد لدورة برلمانية ريثما تنفض تلك الدورة , فهي بمنزلة قيد وارد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية , وهذا القيد ليس من شأنه منع هذه الإجراءات ولكن مجرد تراخيها الى ما بعد الدورة البرلمانية أو بعد حل البرلمان , فهي لا تنفي الجريمة ولا تمنع العقاب , وبالتالي فهي حصانة إمهال الى أجل مسمّى , ويرد على هذه الحصانة استثناءان ( رفع الحصانة ) :
الأول : ترفع هذه الحصانة عن العضو بقرار من المجلس الذي هو منتسب إليه فهي قررت لصالح البرلمان وليست حق شخصي للعضو .
الثاني : حالة التلبّس بالجرم المشهود : وهنا للنيابة أن تتخذ ما تراه مناسباً من الإجراءات دون أخذ إذن المجلس , فترفع عليه الدعوى ويلاحق كأي فرد لأن حالة التلبّس تزيل شبهة الكيدية , كما أن سرعة ملاحقته تحافظ على معالم الجريمة وأدلة الإثبات .
وبعد ما سبق , ومن خلال نص المادة 86 / 1 من الدستور الأردني نبدي ما يلي :
عندما أورد المشرّع تعبير التلبّس بجريمة جنائية فهل كان مقصوده اقتصار التلبّس على الجنايات – والأصل أن المشرّع لا يلغُ – أم أن المشرّع خانه التعبير باعتبار اللفظ الدارج على القانون الجنائي الذي يشمل الجنايات والجنح والمخالفات ؟
إن المتتبع لأصل هذا التعبير في الدساتير الأردنية المتعاقبة , حيث جاء في المادة 41 من القانون الأساسي لسنة 1928 :"....أو أنّه القي القبض عليه أثناء ارتكاب الجناية",
كذلك جاء في المادة 54 من دستور سنة 1947 " .... أو ما لم يقبض عليه حين ارتكاب الجناية " , كذلك دستور سنة 1952 وتعديلاته في المادة 86 / 1 مثار البحث .
حيث يلاحظ المتتبع اتّساق الألفاظ ,والمعنى من ذلك أن المشرّع الدستوري قصر حالة التلبّس التي ترفع الحصانة على الجنايات ,ولو أراد اطلاق اللفظ لنصّ على تعبير التلبّس بجريمة بشكل مطلق, وبالتالي فإن ارتكاب العضو جريمة جنحوية أمخالفة في ظل النص الحالي لا تكون سبباً لرفع الحصانة عنه حتى لو ضبط متلبّساً بها , مع أن المبرر من رفع الحصانة حين التلبّس بالإضافة لما قدّمنا هو سخونة الموقف وإثارة شعور الناس بما شاهدوه والذي لا يحتمل الإرجاء أو التسويف ,حيث يصبح الأمر عندها إنكاراً للعدالة بجملتها ,خصوصاً إن وُجِدَ شركاء له قبض عليهم بينما هو حر طليق .
ولعل هذا ما دفع المشرّع الدستوري المغربي في المادة 64 الى الغاء الحصانة الإجرائية من جذورها والاقتصار على الحصانة الموضوعية , أما بقيّة المشرعين , فمدّت حالة التلبّس بالجرم المشهود للجنايات والجنح ( المادة 113 دستور مصري , المادة 110 دستور جزائري , المادة 89 دستور بحريني , المادة 111 دستور كويتي , المادة 40 دستور لبناني ) .
ولذا نتمنى على المشرّع الدستوري الأردني تعديل نص المادة 86 / 1 بالإستغناء عن تعبير" التلبّس بجريمة جنائية " بتعبير" التلبّس بالجُرم المشهود ", فحالة التلبّس تنفي علّة الكيدية التي وجدت من أجلها الحصانة الإجرائية , والأحكام تدور وجوداً و عدماً كمالاً ونقصاناً مع عللها , فحيثما توجد العلّة يوجد الحكم وحيثما تنتفي العلّة ينتفي الحكم .