يُعدّ فيروس كورونا أحد مصادر التهديد
والمخاطر للاقتصاد العالمي، والذي ظهر مؤخرا في الصين 15-12-2019، ووصل إلى معظم
دول العالم خلال الأسابيع الماضية. وهذا الفيروس تهديد كبير يؤثر بشكل سلبي على
اقتصاديات الدول التي لها علاقة مباشرة بالأسواق المالية العالمية، والتي ترتكز في
تجارتها الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية على الأسواق العالمية. فعلى سبيل
المثال فإن اقتصاد منطقة الشرق الأوسط بدأ بتأثر سلبا بأدائه نتيجة انتشار فيروس
كورونا، وهذا التأثريكون على المدى القصير، وذلك لأن منطقة الشرق الأوسط تعدّ
منتجا ومصدرا للنفط عالميا، كما أن لها عمليات استثمارية وتجارية مع الاقتصاد
العالمي، والتي تعد من الاقتصاديات المفتوحة التي تتأثر بالأحداث العالمية، وكذلك
يوجد فيها مناطق سياحية عديدة جدا.
ومع استمرار تفشي فيروس كورونا
وانتشاره في جميع أنحاء العالم فإن المجتمع الدولي يواجه أزمة عالمية مع تداعيات
الصحة العالمية والاقتصادية. فإن انتشار فيروس كورونا أدى إلى تراجع أسواق الأسهم
العالمية مقارنة بالزخم الإيجابي في أسعار النفط على مدى الأشهر الأربعة الماضية.
كما أن فايروس كورونا يؤثر في أسعار النفط من خلال القيود التي تم فرضها من قبل
الدول التي انتشر فيها هذا الفيروس على السفر لاحتواء هذا الوباء، وتراجع النشاط
الصناعي نتيجة قيام الشركات بإرسال العمال إلى منازلهم، مما يعني استخدام نفط أقل،
وإنتاج منتجات نفطية أقل أيضا.
إن ردة فعل أسواق الأسهم لتأثير فايروس
كورونا على الاقتصاد العالمي كانت بانخفاض الطلب على النفط على المدى الطويل. وبطبيعة الحال، وبعد الإعلان عن الفيروس مباشرة
فقد تأثرت أسواق الأسهم في منطقة الشرق الأوسط سلبا، لاسيما في الجلسات الأولى،
وإنه من المتوقع أن يكون لانخفاض أسعار النفط، وكذلك التأثيرات المحتملة للفيروس
على التجارة العالمية، المزيد من الآثار السلبية على اقتصاد الشرق الأوسط، في
الأجلين: القصير والمتوسط.
لقد تبعت بورصةُ عمان باقي أسواقِ
الأسهم العربية والعالمية في تسجيلِ مستويات منخفضة تاريخية جديدة متأثرة بالمخاوف
المرتبطة بانتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19)، وتأثيرهِ المباشر وغير
المباشر على الاقتصاد العالمي. وسجل مؤشر بورصة عمّان، الاثنين 16-3-2020، تراجعاً
قياسياً بنسبة 4.5%، ليسجل أدنى مستوى له منذ 17 عاماً، وذلك في ظل انتشار فيروس
كورونا المستجد (كوفيد -19) وحصده للأرواح. وسجل المؤشر العام مستوى 1668، ولم
يتخطَّّ حجم التداول 4.5 مليون دينار أردني، مع غياب عمليات بيع وشراء طبيعية
تحسباً لمخاطر إضافية. كما بلغ عدد الأسهم المتداولة نحو 2.8 ملايين سهم، فيما بلغ
عدد العقود نحو 1307 عقداً. أما على المستوى القطاعي فقد شهدت بورصة عمان، انخفاض
الرقم القياسي للقطاع المالي بنسبة 4.44 بالمئة، وقطاع الخدمات بنسبة 3.97 بالمئة،
وقطاع الصناعة بـ3.58 بالمئة.
وقد بدأ العديد من الدول حول العالم في
اتخاذ إجراءات مالية وقائية ضد الفيروس وتداعياته السلبية، سواءً التي ظهرت حتى
الآن أو التي لم تظهر بعد.
ومن الجانب الاقتصادي اتجهت السلطات
النقدية والمالية في بعض الدول أيضا إلى اتخاذ إجراءات وقائية لمحاصرة آثار
الفيروس، فقام البنك المركزي الأردني بالإعلان عن عدد كبير من الخطوات، شملت ضخ
سيولة إضافية للاقتصاد الوطني بقيمة 550 مليون دينار (775.5 مليون دولار)، من خلال
تخفيض الاحتياطي النقدي الإلزامي على الودائع لدى البنوك من 7 بالمئة إلى 5
بالمئة. وهذه هي المرة الأولى التي يخفض بها البنك المركزي، الاحتياطي النقدي
الإلزامي منذ عام 2009، ضمن حزمة من الإجراءات الهادفة لاحتواء تداعيات أثر فيروس
كورونا المستجد (كوفيد -19) على الاقتصاد الأردني. فقد سمح للبنوك بإعادة هيكلة
قروض الأفراد والشركات، خاصة المتوسطة والصغيرة منها والتي تأثرت بتداعيات
الفيروس، إضافة إلى تخفيض كلف التمويل وزيادة الآجال للتسهيلات القائمة
والمستقبلية للقطاعات الاقتصادية.
كما طالب بتأجيل أقساط التسهيلات الائتمانية
الممنوحة لعملاء القطاعات الاقتصادية المتأثرة من آثار انتشار فيروس كورونا من
شركات وأفراد. إن سياسة البنك المركزي الأردني تهدف إلى المحافظة على الاستقرار
النقدي والمالي من خلال استعمال الأدوات النقدية والمصرفية، واتخاذ الإجراءات
المناسبة بما يكفل تحقيق متطلبات استمرار النشاط الاقتصادي لمواجهة تداعيات فيروس
كورونا المستجد (كوفيد -19)، فعلى سبيل المثال سيستمر البنك المركزي الأردني
بتوفير أية سيولة إضافية للبنوك من خلال أدوات السياسة النقدية بما فيها اتفاقيات
إعادة الشراء (REPO)
وانعكاس تغيرات سعر الفائدة على هذه الاتفاقيات.
ومن الناحية القانونية فقد اتخذت
الحكومة الأردنية مجموعة من الإجراءات الاحترازية القانونية استنادا إلى قوانين
الصحة العامة ومجلس الدفاع المدني وقانون الأمن العام، وتم الإعلان بتفادي الخروج
من المنازل إلا للضرورة، ووقف التجمعات العامة بشكل عام، وبتوجيهات من القيادة
العامة للقوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي، وبالتنسيق مع الأجهزة المعنية
الإجراءات الاحترازية ضمن الإجراءات الوقائية المتخذة في المملكة، لاحتواء والحد
من انتشار فيروس كورونا وحفاظاً على سلامة القادمين وذويهم، على تقديم المواد
المعقمة والكمامات للقادمين إلى أرض المطار، فيما ساعدت الطواقم في تسهيل إجراءات
الفحص الطبي الوقائي لبعض الحالات المشتبه فيها وتحويلها للجهات الطبية المختصة.
فإن الدولة يمكنها اتخاذ إجراءات من
قبيل الإبقاء على اتصال بشكل كامل مع القطاع المصرفي لديها، لضمان استقرار مستويات
السيولة، وضمان ودائع المتعاملين. وهي مطالبة بالبقاء على اطلاع دائم على ما يجري
في قطاعات السياحة والسفر، والنقل بشتى صوره، من أجل التعرف على التحديات التي
تواجه الشركات العاملة في هذه القطاعات، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة الضرورة.
وإلى جانب ذلك، فإن هناك ضرورة لتوعية
المجتمعات بحقيقة الفيروس الجديد، وتوفير المعلومات الموثوقة عنه، ونؤكد على أهمية
نشر ثقافة الوعي وتوصيل خطاب إعلامي موحد حول فيروس كورونا لطمأنة المواطنين وذلك
لمحاربة الشائعات ووأدها من الجذور. لمساعدة الشركات والأفراد على اتخاذ القرارات
الاقتصادية السليمة دون مبالغة، وبما يصب في النهاية نحو ضمان استقرار الاقتصاد
الكلي.
*أستاذ مشارك في الاقتصاد و المالية - جامعة آل البيت