"خطة ترامب" منحت "إسرائيل" ما لا تستحقه، وقدمت للفلسطينيين "صك إذعان"، وجعلت "إسرائيل" تمضي حثيثا لضمان حصتها من "الخطة" كاملة غير منقوصة. ولا خلاف على أن اليمين الإسرائيلي سيستغل تلك الخطة لتنفيذ كل الاستحقاقات التي تم منحها للدولة الصهيونية رغم تحفظ ذلك اليمين على بعضها، وعلى رأسها التحفظ، بل الرفض، لما سمي "دولة فلسطينية" تقام في مكان ما على بعض أراضي بالضفة الغربية مع قطاع غزة. والحال كذلك، رفض الفلسطينيون ما اعتبروه "سرقة القرن"، التي هي بنظر اليمين الإسرائيلي المتطرف – ويا للمفارقة - تشكل "الحد الأدنى" أو "غير الأقصى" مما يطمحون إليه!!!
الكاتب الإسرائيلي (عاموس جلبوع) كتب يقول: "هذه هي الخطة السياسية الامنية الافضل التي سبق أن طرحت على اسرائيل في الموضوع الفلسطيني، وعلى اسرائيل أن تتبناها جملة وتفصيلا، بما فيها البنود التي قد لا تكون مريحة لها. هذه خطة تحطم المنظومة الفكرية الكونية – دولة فلسطينية في حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، واخلاء المستوطنات. هذه خطة تلقي الى سلة القمامة بحدود 67، تعترف بالقدس الموحدة، تعترف بشرعية المستوطنات، وهكذا تخرج من الخطاب السياسي اصطلاح الاحتلال". بالمقابل، رأت أسرة تحرير "معاريف": "إن صفقة بين الطرفين اللذين في لحظة عرضها يظهر طرف واحد ليست صفقة، وليس لها أي أساس... الخطة ليست أكثر من كتاب استسلام مهين للفلسطينيين. ما عرضه ترامب في واشنطن وتبناه نتنياهو بحرارة ليست خطة سلام، بل خطة لضم من طرف واحد". من جهته، قال المؤرخ الإسرائيلي (زئيف ستيرنهيل): "أي عاقل يدرك أن الضم بدون حقوق متساوية للفلسطينيين يعني إقامة دولة أبارتايد (فصل عنصري) جديدة". وتتوالى أصوات التشكيك، بل والنقد، الذي حظيت فيه "الخطة" في أوساط قيادات أمنية وسياسية وإعلامية وثقافية إسرائيلية.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده الثنائي (ترامب/ نتنياهو) في البيت الأبيض، وفي ضوء (بل ظلام) ما أعلنه الأخير، توقع كثيرون أن تسارع حكومة اليمين الإسرائيلية إلى إقرار بسط السيادة الاسرائيلية على المستعمرات/ "المستوطنات" في الضفة الغربية المحتلة، وغور الأردن وشمال البحر الميت. لكن، مع إعلان (نتنياهو) فرحته واستعداده لرفع مشروع قرار للضم الفوري لاجتماع حكومته فور عودته إلى "إسرائيل"، لاحظنا كيف أن البيت الأبيض عرض مواقف متضاربة لمواقف (نتنياهو). فلقد سارع (جاريد كوشنير) مستشار الرئيس (ترامب) وصهره المقرب للإعلان: "لا أعتقد أن نتنياهو سيرفع للحكومة سريعا مشروع قرار بالضم"، تبعه السفير الأمريكي في تل أبيب (ديفيد فريدمان)، خلال لقاء عقده مع أكثر من 20 زعيما يهوديا وإنجيليا أمريكيا، حيث شدد على أنه "قبل أي قرار إسرائيلي بالضم، تريد الإدارة الأمريكية، تشكيل لجنة لبحث القضية مع الجانب الإسرائيلي وذلك لمطابقة مناطق الضم بالخرائط التي طرحتها الإدارة الأمريكية في إطار "صفقة القرن" وأن الادارة ستنظر في الاقتراحات الإسرائيلية وتفحصها وتتأكد من أنها تتماشى مع الخطة الأمريكية ما بات يتطلب تشكيل اللجنة قريبًا والعمل على هذه الأمور فورًا والانتهاء من هذا الأمر بسرعة". بل إن (جيسون غرينبلات) المستشار السابق (لترامب) وأحد مهندسي "الصفقة" أعلن أمام "منظمة الاتحادات اليهودية لشمال أمريكا" أنه: "في الجانب الاسرائيلي يجب أن يمر موضوع الانتخابات، ولكن حتى ذلك الحين لن يكون هناك تقدم في موضوع الخطة".
هذا التطور المفاجئ، أغضب أحزاب اليمين الإسرائيلي ودفعها للتحرك السريع، فأعلن وزير "الدفاع" (نفتالي بينيت) عن تشكيل طاقم خاص مهمته تطبيق بسط القانون الاسرائيلي في الضفة الغربية وغور الاردن: "علينا تقديم الخدمات لنصف مليون اسرائيلي يسكنون فيها"! في السياق، سارعت وزيرة العدل السابقة المتطرفة (آييلت شاكيد) للضغط على (نتنياهو) وحثته على "بسط السيادة على المستوطنات في الضفة الغربية قبل الانتخابات". كما طالبت "بالبدء في ضم منطقة الأغوار وجميع أراضي المنطقة المصنفة (ج) تمهيدا لضم بقية الأراضي، ومنع قيام أي كيان فلسطيني فيها". أما رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" (أفيغدور ليبرمان) فدعا إلى "طرح مشروع قانون خاص بضم غور الأردن في الكنيست للتصويت"، مذكرا (نتنياهو) "بوعده" ضم غور الأردن وجميع المستعمرات/ "المستوطنات" في الضفة الغربية.
قوى الدفع في أقصى اليمين الإسرائيلي ستسرع عملية الاستفادة من "خطة ترامب" وفرض "الحقائق الجديدة" على الأرض بشكل أحادي. صحيح أن هناك تريثا أمريكيا لضم المستعمرات/ "المستوطنات" والأغوار وشمال البحر الميت حتى الانتهاء من الإنتخابات الإسرائيلية، لكنها لا ترفضها كما يزعم اليمين المتطرف الإسرائيلي. أما (نتنياهو) الذي بات يخشى خسارة مزيد من أصوات اليمين الإسرائيلي المتطرف فقد وعد ببذل مساعيه لثني الأمريكيين عن ترددهم/ وتريثهم. وهذا أمر سيتضح في المستقبل القريب.