بقلم: د. طلال طلب الشرفات
مهما حاولنا إضافة المحسنات اللفظية
على واقع الحال فالحقيقة التي لا نستطيع المواراة عنها هي أن أزمة المعلمين انتهت
بالمغالبة ولصالح نقابة المعلمين بفارق النقاط، لم ينتصر الوطن كما هلّلنا جميعاً،
وإنما تم استدعاء اجراء الضرورة من أجل إنهاء الأزمة التي عصفت بالوطن وبمحياه
الأنيق الحزين، والحقيقة الأخرى الماثلة دوماً أنه كان لنا وما زال موقف من
قانونية الاضراب، والاستقواء على الدولة ومراعاة هيبتها، ولم نكن ولو للحظة ضد
تحسين الواقع المعيشي للمعلم بإسلوب حواري وبعيداً عن الاضراب، والتهديد ووفقاً
لإمكانات الدولة المالية بتجرد.
أزمة المعلمين كشفت عن عوار لافت وخلل
واضح في بنية الدولة وركائزها الراسخة، ودقت ناقوس الخطر بأن الكلفة السياسية
والاجتماعية لشيوع الهويات الفرعية السياسية والاجتماعية على حساب الهوية الوطنية
الجامعة قد أضحت نتاجاً مؤلماً على الأرض، وبطريقة تستدعي إعادة صياغة العقد
الاجتماعي والسياسي بثوب جديد، وبشكل يعيد تعريف مفهوم الدولة، ومصطلح الهيبة،
ومنطلقات سيادة القانون وحدوده، ومتى يُضحي سيادة القانون خطاباً لا يتجاوز حدود
الحناجر التي لا تعترف بحق الآخر في الاختلاف دون خلاف، والأتفاق الذي جرى - كما
قال ناىًب نقيب المعلمين- بين النقابة والحكومة الاْردنية يعيد الى الأذهان مدى الالتزام
بقواعد الحضور الوطني في خطابنا السياسي، وحدود الصمت امام هيبة الدولة وكرامة
الوطن.
في هذه الأزمة اكتشفنا اختفاء المسافة
بين حدود الغضب والعتب، وأدركنا أن الإرهاب الفكري يقوده أرتال من المحبطين،
والمتعبين، والعاجزين عن التصالح مع أنفسهم ومع الغير، إرهاب يكتنفه جهل مدجج
بالشتيمه والردح والاستعراض الهابط، وفقدان الحجة، إرهاب يقدم المصلحة المقيتة
وتصفية الحسابات الصغيرة على أخلاق الحوار واحترام الرأي وقبول الآخر، ومواجهة
الرأي برأي أكثر إقناعاً وأقل انحداراً في زمن نطق فيه أبطال النضال في وسائل
التواصل بما جعل المشهد الوطني أقل بريقاً وأكثر قتامة.
في هذه المحنة الوطنية تخلى الكثير من
رجالات الحكم عن نصرة الدولة وهيبتها، والسبب يكمن في اضمحلال مفهوم قيمة الدولة
في أنفس هؤلاء وتقزيم معاني الولاء والانتماء إلى حدود المصلحة الآنية، وتراجع
الوطنية إلى ضواحي المواطنة، وكذلك غاب المثقفون عن تحليل السر في عدم الالتزام
بالقرارالقضاىًي، وعدم احترام مبدأ سيادة القانون، وربما نسي الجميع أن الوطن فوق
الجميع وأن تقزيم هيبة الدولة والاستقواء عليها سيتضرر منه الجميع وفي مقدمتهم جيش
المعلمين الذين يشكلون سنام الوطنية الحقة وعطرها المقيم.
المظاهر الاحتفالية لاتفاق الحكومة
والنقابة مظاهر شكلية تعتلي فوهة بركان، والسبب أنها حالة غير مسبوقة في تاريخ
الدولة الأردنية أن يتم اتفاق على هذا النحو، والمعركة الفعليةفي راًيي قد بدأت
الآن، رغم إدراكي بأن الاتفاق سيتم تنفيذه من الحكومة، ولكن كلفة تنفيذه ستكون
أكبر بكثير مما يظنه البعض، والوطنية الحقة تقتضي من الطرفين أن يعيدا إنتاج قيم
الحوار الحقيقية، فالاتفاق القسري هو إذعان مهما حاولنا تجميل معناه، وما جرى-
بهذه الروح السائدة - هو تعايش لن يدوم، فالأوطان لا تحتمل عشق الأضداد ولا تقبل حوار
الأنداد مع مواطنيها، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء ...!!