وصل عدد الجامعات في الاردن اكثر من ثلاثون، منها عشر جامعات حكومية قد تكون كلها مديونة للاسف، وبمقارنة بسيطة ما زالت الحكومة تتلقى طلبات لتاسيس جامعات خاصة وجميعها تحقق ربحا، والمفارقة ايضا ان مديونية الجامعات الحكومية هي تشغيلية وليست راسمالية حيث ان الارض والبناء وأغلب الاجهزة والتجهيزات في الجامعات الحكومية قدمت من الدولة بشكل مباشر او غير مباشر عن طريق منح مثلا، فلماذا تخسر هذه الجامعات؟ وهذا السؤال ليس موضوعنا فالاسباب كثيرة ومختلف بها وعليها وكل طرف او رأي يرمي على الاخر.
موضوعنا اليوم هو المديونية التي اصبحت حقيقية واضحة ومشكلة وخطر يهدد مستقبل التعليم الحكومي في الاردن فانني اسال الجميع اكانوا اكايميين او مسؤولين في الجامعات او في الحكومة الى اين ذاهبة الجامعات مع ازدياد مديونيتها والاسوء ان المديونية اصبحت لتغطي ابسط الاحتياجات للجامعات وهي الرواتب والمبكي ان بعض الجامعات اضحت مرهونة للبنوك بشكل كامل بمعنى ان اي دخل يدخل الجامعة يذهب مباشرة للبنك وهو الذي يحول ما تبقى للجامعة ولنذهب بعيدا اكثر ونتكلم بجرأة : ان البنك هو من يقرر موعد التسجيل للحصول على اقساطة وهذا تدخل مباشر في سياسة الجامعة واستقلالها ويقودنا لامور اكثر كارثية، انوء بذكرها.
الم يحن الاوان ان تاخذ الحكومة الاردنية قرارا جريئا يخص الجامعات الحكومة وبشكل شمولي تكاملي للجامعات بما انها تحت المظلة الحكومية وتدعم من دافعي الضرائب فلا تخلو معاملة او رسم او اجراء الا ويدفع معه المواطن ضريبة جامعات ولا تالوا الحكومة من دعم الجامعات بنسب مختلفة بشكل مباشر وغير مباشر وحتى الجامعات التي لا تاخذ دعم مالي مباشر فانها تاخذ اعفاءات او منح.
لابد من اجراء دراسات اكتورارية حقيقية مستقلة ومحايدة لوضع مديونية الجامعات وطريقة سدادها والابتعاد عن الاقتراض من البنوك وان كان لابد من الاقتراض فلا بد ان يكون محصورا؛ ومن جهات ليست مالية بحتة حتى تحافظ الجامعات على استقلالها، والسؤال هنا هل لدى ادارات الجامعات الحكومية دراسات داخلية بما انها تحتوي على كليات المال والاعمال عن طرق حل المديونية الخاصة بها ومتى من المتوقع ان يتم سداد هذه المديونيات ام انها ترحل المشاكل للادارات اللاحقة.
وهنا قد يظهر صوت ويسالني انت تنتقد واقول انني لا انتقد بل ادق ناقوس الخطر للاخذ ليس بعين الاهتمام بهذه الموضوع بل بالتعامل بمفهوم المخاطر والكوارث بهذا الموضوع فان تخطينا هذا العام فانه من الصعب مواجهة السنوات القادمة بدون ان نعرف الى اين متجهون والى متى.
الحلول كثيرة وتبقى المشكلة اولا باعطاء هذه المشكلة اهميتها التي تستحقها وان تحل بشكل وطني وشامل وتكاملي وليس كل جامعة لوحدها ومن اولى الحلول هو تكامل الجامعات ومراعاة خصوصيتها، لان الواقع الحالي وللاسف تشتت وتنافس فترى جامعتين في منطقة جغرافية واحدة تطرحان وتتنافسان في نفس التخصصات وكل منهما قد لا تكون وصلت للاعتماد الخاص لسبب عدم توفر العدد المناسب من اعضاء التدريس مثلا، لذا فان التكامل بين الجامعات قد يكون هو البداية، ان ادارة الجامعات الحكومية لابد ان تكون على الاساس الاستثماري الشامل بين الرسوم الجامعية(رفع الرسوم ليس الحل) و اعداد الطلبة وتشارك القطاع الخاص معها من قطاع صناعي وتجاري وزراعي وتكنولوجي بدراسات واقعية وشاملة.
البحث العلمي لابد ان يكون من الحلول التي ليس فقد تساعد على حل المشكلة بل قد تنتج فائض في موارد الجامعة ولكن للاسف الطريقة التي يدار بها البحث العلمي هي طريقة استهلاكية وليست اشتثمارية ومن اسبابه ان الجامعات مازالت في برج عاجي بالتعامل مع المختصين والتجاريين والصناعين ومعيارها الاول والاخير الشهاات العليا والرتب الاكاديمية فقط وهذا موضوع بحاجة لاهتمام جوهري واساسي.
التخصصات الراكدة او التي ليس لها مستقبل سوقي او وطني لابد من قرار جريء بها ودون مجاملة،ان اعداد من اعضاء هيئة التدريس لن يكون سبب لوجودهم في الجامعة فلا مانع من استثمارهم في المواقع الادارية او نقلهم للوزارات او المراكز الحكومية التي تحتاج خبراء او باحثين فلم يعد هناك وقت للمجاملة او تقديم مصلحة شخصية، بل ان الاصل ان يكون دراسات اكتوراية مستقبلة لفتح او اغلاق التخصصات معلن للعشر سنوات القادمة.
الاستثمار في التعليم الافتراضي و تحجيم التعليم التقليدي جزئيا وكليا حسب خصوصية كل تخصص وكلية وجامعة والتوقف كليا عن الاستثمار في المنشأت والتفكير بقادم الايام حول التطور في التعليم وقد كتبت مقالة قبل اسابيع بهذا الخصوص بعنوان – وزارة البحث العلمي وجامعة المستقبل- لمن يرغب في الاطلاع.
برأيي ان يذهب الدعم الحكومي مستقبلا للطالب بشكل مباشر وللباحثين وليس للمؤسسات التعليمية والجامعات وكل جامعة ان تقوم بفرض نفسها او الخروج ، حيث ان اعداد الجامعات الحكومية بطريقة القص واللصق لم تعد مرضية.
ما نريده بشكل كامل هو حوار وطني حر مبيني على معلومات دقيقة وشاملة بمنظور استثماري يضمن اولا تقييم واضح وعلني وشفاف عن مديونية الجامعات والخطط الاستراتيجية والمستقبلية لسداد هذه المديونيات ، ونبدأ عهد جديد عن حاجة الدولة لهذا العدد من الجامعات ولا مانع من خصخصة بعضها وليس كلها بطرق استثمارية مبتكرة وخاصة التي تعاني كثيرا وان يعطى الامر لاهله من المختصين في هيكلة المؤسسات الخاصة والذين لديهم تجارب ناجحة لان المستقبل ليس واضح بل اكيد ان الجامعات ذاهبة اما لارتفاع رسوم هائل او ان تباع لشركات خاصة او ان تغلق للاسف مع هذه المدينونيات المتصاعدة بشكل كبير لكلف تشغيلية كما ذكرت اعلاه او لسيناريوهات لا اود ذكرها، فهذه الجامعات انجازات من انجازات الاردن على مر سنوات ودفع بها مئات الملايين وجزء حضاري يعبر عن تاريخ الاردن، حمى الله الاردن واصلح وضعه التعليمي الذي شتان ما كان عليه امس وما هو عليه اليوم والله من وراء القصد.