أقر أنا صاحب الإسم المذكور أعلاه، المولود في القدس -عاصمة فلسطين الأبدية- في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1944، أن ما مضى من عمري أطول مما انقضى من عمر دولة "الإحتلال" بـ (3) سنوات ونيف! وحتى اللحظة، أظنني ما زلت أتمتع بكامل قواي العقلية والبدنية لأحكم على الأمور –على ما آمل- بشكل منطقي وعقلاني وموضوعي، وأنني قضيت أكثر من (56) عاما ناشطا - ولا أزال - في عديد المؤسسات السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية وعلى مستويات مختلفة محاولا أن أكون مخلصا لقضيتي الفلسطينية وهمي العربي، وأن فلسطين لطالما رافقتني في حنيني وبؤسي وغضبي وثورتي وأملي وقلقي لا سيما النوع العميق منه.
أدعي أنه لولا استنادي إلى جبل –لا يهزه ريح- من التفاؤل لغرقت أو أغرقت في بحر اليأس متلاطم الأمواج الذي خلفته ردود الفعل التراجيدية من محترفي صناعة اليأس والتشاؤم والإحباط حول تلك المسرحية الرديئة، لكن الخطرة، المتعلقة فيما يسمى بـ "صفقة القرن" –قيد التنفيذ- وما تحاول تقديمه من "مقبلات" و"مغريات" مالية، ويتم إخراجها أمريكيا و"ترامبيا"، وللأسف –هذه المرة- بإضاءة بعضها عربي! تلك "الصفقة" التي تم فيها –إلى الآن- إمعان النصل في محاولات خطيرة تستهدف ذبح كل أبقارنا الفلسطينية المقدسة!. وفي هذا السياق، ومع ما أثارته وتثيره مثل "القرارات التنفيذية" الأمريكية الأحادية من انتهاكات فادحة بقصد التيئيس، أتساءل: أأنا الذي يدخل الشيخوخة.. أم "الوطن" بأكمله هو الذي يدخل "سن اليأس" الجماعي؟! ولعل أكثر ما نحتاجه الآن في هذه الظروف العصيبة: جرعات من الأمل والتفاؤل الإضافية التي تصنع التوازن في نفوسنا ومساراتنا وحياتنا، وتقاوم ما تصنعه الوقائع من روح تذمر وشكوى، وما يبثه "معسكر" محترفي صناعة اليأس من تجذير الشعور بالدمار.
كفلسطيني مقدسي الولادة والمنشأ، وكسائر أهلي في القدس (وخارجها الفلسطيني والعربي)، لم تسبب لنا هذه الاعترافات أو القرارات التنفيذية الأمريكية المتلاحقة سواء بخصوص القدس أو غيرها، لم تسبب لنا الخسارة الكبيرة التي يعتقدها البعض، حيث لا يوجد لدينا – بمعنى معين - ما نخسره!، ليس لأنه، وإلى ما قبل تصريحات (ترامب) وقراراته، كان هنالك "سيناريو معقول" لانشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وليس لأن الاحتلال يتواصل، واقتحامات المسجد الأقصى تتواصل، والاستعمار/ "الاستيطان" يتواصل، وهدم البيوت يتواصل إلخ... بل لأن "يأس" الفلسطينيين المقدسيين، وبخاصة من العملية السياسية والعالم العربي ومن بعض قياداتهم السياسية ومن المجتمع الدولي هو جزء أساس في تصورهم المتبلور هذا منذ سنوات عديدة، لكنه "يأس" لم يمنعهم من الصمود والمقاومة. وعليه، أرى أن المشكلة الكبيرة تكمن مع فيروس "اليأس" الذي يستهدف جيلا كاملا انتظر ردحا طويلا من الزمان آملا بالسلام، والآن تجري محاولات حثيثة لتدمير هذا "الأمل" بجرة قلم وبتوقيعات واعترافات سقيمة وبائسة!
لنحاول أن نتشبث بالأمل، لأن اليأس في حد ذاته "ثورة مضادة"!!!، وتاريخيا، نجحت جميع حركات التحرر الوطني في زحزحة الاستعمار وانتزاع الاستقلال الوطني بسبل مختلفة حتى لو طال الزمن. ولأن عامل الوقت معنا، كم هي المرات التي تم فيها استعمار/ احتلال فلسطين وذهبت الاحتلالات وبقي الوطن وأهله؟! وكم هي المرات التي خضعت فيها القدس لأشكال مختلفة من الاحتلال منذ القرن الـ 16 قبل الميلاد؟! خضعت للفراعنة في عهد أخناتون، وتوالى عليها المحتلون من بابليين ويونان ورومان وفرس وغيرهم. وعليه، فإن "مَنح" القدس على شكل "هبة" أو "هدية" من القوة الأمريكية العظمى لدولة الاحتلال لن يغيّر من حقيقة الأشياء أو الأسماء: فلسطين عربية وإسلامية، والقدس لأهلها: رمز ديني ووطني وقومي، والعروبة ليست إشاعة، والثورات لا تتقاعد والمقاومة لم ولن تموت!
دعونا نأمل أن تبقى الغلبة للتفاؤل، ونقصد ذلك النوع "الاستراتيجي" منه، حيث أن التفاؤل "المرحلي" قد لا يكون واردا الآن إلا من باب التكتيك، ولننفض عنا غبار اليأس وغيومه التي تكدر صفو سماء قضيتنا، ولندع اليأس والتخذيل يذهبا في حال سبيلهما، ودعونا لا نطيل الوقوف في هذه المحطات؛ وصولا إلى تحقيق أهدافنا المرحلية والمستقبلية في الحرية والتحرير، استناداً إلى عدالة قضيتنا ومقاومة شعبنا وأمتنا وجدلية التاريخ والصحوة الكونية التي فجرتها هذه القرارات التنفيذية "الهوجاء" لصالح حقوقنا العادلة والمشروعة بإعادة وضعها على الرادار العالمي. وحقا، رب ضارة نافعة، والمؤامرة إن أخفقت ستتحول إلى رافعة، فالأبجدية كلها الآن فلسطينية وبالتحديد مقدسية، والعرب الأقحاح كلهم فلسطينيون. فلتدب فينا شرارة الأمل من قاع هوة اليأس لتدفعنا إلى الخروج منها، ولننهض كطائر الفينيق الأسطوري الذي يخرج دائما من رماد الحريق، والذي احتضنته الإنسانية وخلدته، وأفسحت له مكانا حميما في وجدانها على مر العصور، فعلى هذه "الأرض المقدسة" ما يستحق الحياة!