عديدة هي المنظمات/ الجماعات الصهيونية الأمريكية التي تلعب دورا محوريا في دعم “إسرائيل” سياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا، خاصة وأن أعضاء هذه المنظمات/ الجماعات نشطاء في معظم الحركات السياسية، ولهم نفوذهم في الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ما يعني تزايد قوتهم الانتخابية وتأثيرهم على صناعة القرار السياسي المؤيد لإسرائيل.
لطالما تركز الحديث على قوة “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية – إيباك” في دعم إسرائيل. غير أنه، في العام 2006، أسس القس الأمريكي (جون هيغي) منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل – CUFI” التي بدأت نشاطها، كما تعلن صراحة، “بلعب دور قيادي في الجهود المبذولة للحد من طموحات إيران النووية، وتعطيل حرب حزب الله وحماس (الإرهابيين) ضد إسرائيل، وتعزيز قدرة الدولة اليهودية في الدفاع عن نفسها، ومساعي إغلاق (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين – الأونروا) والدفاع عن إسرائيل ضد حركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” المعادية للسامية”!!! وبالفعل، وعلى صعيد متمم (!!!) أسهمت المنظمة ذاتها، بشكل حاسم، في قرار الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وفي قرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. وفي السياق، معروف أن حفل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة ضم عدة شخصيات إنجيلية وتضمن خطاباً ألقاه (هيغي) نفسه.
مؤخرا، حين تحدث موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن الداعم الحقيقي للرئيس (ترامب) والاحتلال الإسرائيلي داخل البيت الأبيض، أشار إلى حقيقة دور “المسيحيين الإنجيليين البيض الذين يشكلون 76% من إجمالي الطائفة الإنجيلية في الولايات المتحدة، والتي تمثل ربع الناخبين الأمريكيين”. ووفقًا لاستطلاع أجرته “مؤسسة أبحاث الدين العام”، في أواخر 2018، “يتمتع ترامب بنسبة تأييد تبلغ 71% بين الإنجيليين البيض، علما أن هذه الطائفة تتميز بمواقفها المحافظة فيما يتعلق بقضايا الهجرة، والتغير الديمغرافي، وتغير المناخ”. وهؤلاء، هم في صلب النواة والأساس في منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل”. بل إنهم، بحسب (دونالد فاغنر) الأستاذ المختص في الدين والدراسات الشرق أوسطية بجامعة “نورث بارك” في شيكاغو، “يؤمنون بأن دولة إسرائيل الحديثة هي جزء من النبوءات الموجودة في الكتاب المقدس، وأن مصير الولايات المتحدة مرتبط ضمنيًا بمصير إسرائيل. وثابت أن كبار المسؤولين في إدارة ترامب، بما في ذلك نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو، ينتمون إلى هذه الطائفة الإنجيلية”. وقد أورد “ميدل إيست آي” تفاصيل مقابلة أجرتها “شبكة بث المسيحية” في القدس المحتلة مع (بومبيو) عبر فيها عن تأييده لما قاله مقدِّم البرنامج حول (ترامب) حين اعتبر الرئيس الأمريكي “مُرسلا من الله لإنقاذ (الشعب اليهودي) من الخطر الإيراني” ثم قارنه بالملكة أستير، التي أنقذت أرواح اليهود من المجازر في الإمبراطورية الفارسية القديمة، وفقًا للميثولوجيا العبرية. وفي السياق، يؤكد (جوناثان برينيمان) المسيحي الأمريكي من أصول فلسطينية الذي يعمل في كنيسة “مينونايت” بالولايات المتحدة الأمريكية بأن: “أيديولوجية هؤلاء في جوهرها متطرفة، ومنتشرة على نطاق واسع في الولايات المتحدة”. كما قارن “ميدل إيست آي” بين “إيباك” و”CUFI”، قائلا: “النفوذ الهائل الذي تتمتّع به إيباك في جذب السياسيين لإلقاء كلمة خلال مؤتمرات القمة السنوية الخاصة بها، لا يقارن بحجم “CUFI”، التي تعتبر نفسها أكبر منظمة موالية لإسرائيل في الولايات المتحدة بما يربو عن خمسة ملايين عضو، كما تدعي هذه المنظمة أنها المجموعة المسيحية الوحيدة التي تعمل على تحويل ملايين المسيحيين المؤيدين لإسرائيل إلى قوة مثقّفة وفعّالة لصالح إسرائيل”.
مع انعقاد المؤتمر السنوي لمنظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” مؤخرا، كتبت صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها: “منذ سنوات يعمل اليمين الإسرائيلي على تعزيز الحلف السياسي والمالي مع المسيحيين الإنجيليين المؤيدين للمشروع الصهيوني جزءا من إيمانهم الذي يربط عودة (شعب إسرائيل) إلى أرضه بمجيء المسيح المنتظر. هذه العملية وصلت إلى ذروتها مع انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية”. وقالت الصحيفة: “المؤتمر الضخم هذا العام هو حدث انتخابي مركزي خطب فيه، أمام آلاف المناصرين، كل من بنس وبومبيو، وهما من الإنجيليين، إلى جانب مستشار الرئيس للأمن القومي جون بولتون، وموفد البيت الأبيض إلى المنطقة جايسون غرينبلات، والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان” حيث أعربوا، جميعا، عن دعمهم القوي لإسرائيل. وختمت “هآرتس” افتتاحيتها قائلة: “المقابل الذي يدفعه ترامب لناخبيه المسيحيين يغير بشكل حاسم الواقع الراهن هنا في إسرائيل، بتشجيع من التحالف اليميني. وليس هذا في الولايات المتحدة فقط، بل أيضاً في أمريكا اللاتينية، وفي مقدمتها البرازيل، وحتى في أستراليا، وفي الفيلبين، حيث يؤثر الصعود المستمر للجالية الإنجيلية المؤيدة للصهيونية في السياسات الداعمة لإسرائيل”.
ختاما، وضمن أمنية طالما تمنيناها بأن يكون للعرب لوبي قوي ينهض بقضايانا العادلة ويكون له تأثير على السياسة الأمريكية في مواجهة لوبيات داعمة للدولة الصهيونية، وبعد التأكيد على أن هذه الطائفة الأفلنجيكية هي، في جوهرها، طائفة “يهودية متمسيحة”، نسأل واقعيا، وبألم حزين: أين هو ذلك اللوبي العربي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يمكن له أن يمارس أي ضغط في الدفاع عن القضايا العربية؟!