مع بدأ عرض مسلسل جن على شبكة Netflix الدولية تصاعد الحديث من كافة المستويات الرسمية والشعبية الأردنية، هناك جملة من الملاحظات التي من المناسب الوقوف عليها لتقييم التجربة فالمسلسل عبارة عن قصة خيالية، والمسلسل الذي ينتجه الموقع الأمريكي ثاني إنتاج عربي فالأول كان مدرسة الروابي للبنات والثاني جن والثالث سيكون مسلسل مصري.
تتمحور قصه "جن" حول مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية، يقومون برحلة إلى مدينة البتراء، حيث يواجهون جنيًا في هذه المدينة، تتطور الأحداث في أجواء يمكن وصفها بالخيالية، وتتشابك التفاصيل ضمن نسيج من العلاقات العاطفية الجريئة بين أبطال العمل، المسلسل من تأليف راجيف داساني وإخراج مير جان بوشعيا وأمين مطالقة، وسيتم عرضه بـ 29 لغة.
ليس سرًا القول إن العمل الذي نُفذ بإشراف كوادر أردنية وبالتعاون مع شركة "كبريت برودكشن" اللبنانية لاقى ترحيبا حكوميًا سبق العرض الأول بأشهر ممثلاً بشخصيات رسمية وإعلانات عبر بعض مواقع الوزارات كوزارة الثقافة التي نشرت خبرًا صحفيًا على موقعها الإلكتروني عن مشاركة الطالب الأردني سلطان الخيل بأعمال المسلسل.
ومع ذلك وبالرغم من الميزانية الضخمة التي أُنفقت على المسلسل بحسب هيئة تنشيط السياحة الأردنية التي رأت أنه ترويج للسياحة بالمملكة، إلا أن المسلسل أثار جدلاً واسعاً في الأردن، فقد شاهدت بعضاً من حلقاً المسلسل ومع الرؤية الفنية المميزة والقالب الإخراجي الجميل وهذا واضح فقد صمم العمل بمقاييس Netflix من حيث جودة الصورة والصوت، والمؤثرات البصرية الدقيقة.
وتصنيف شبكة تصنّف Netflix للمسلسل ضمن فئة "برامج تلفزيونية للمراهقين"، وهو وفقًا لتصنيفات الشبكة يتبع لفئة "الإثارة التلفزيونية" و"تلفزيون الخيال العلمي والفانتازيا"، ليشكّل هذا التّصنيف أوّل الفروق وأبرزها بينه وبين المسلسلات المنتجة في العالم العربي، إذ ما زال المنتجون يخافون من إنتاج هذه النّوعية.
أردنياً، ما دفع فئات المجتمع إلى نقد الفيلم كان موضوع العلاقات في المسلسل، كتجربة العلاقات العاطفية بين المراهقين، من قُرب وانفصال وجَفاء وحب من طرف واحد، وعلاقة المراهق بأهله ومحاولة احتواء تقلبات مزاجه، والعلاقات الأسرية عمومًا وتأثيرها عليهم.
فالمسلسل اتجه نحو الثيمة الأسهل في الترويج فقد اتجه أن يكون الممثلين من الشباب والمراهقين ومستغلاً البيئة المدرسية في ذلك واتجه بشكل فج إلى مشاهد لا تمثل طبيعة البيئة الأردنية بما تضمنه من لقطات وألفاظ نابية وسيئة لا تليق بالمجتمع الأردني ولا عاداته وتقاليده وتخالف التعاليم الشرعية لذا نجح المسلسل فقط في إثارة الجدل بشكل سلبي، وفشل فشلاً ذريعًا من ناحية ركاكة النّص وضعف أداء الممثلين الشباب، رغم الإمكانات التقنية والإنتاجية، حيث شارك في المسلسل مجموعة من الممثلين الأردنيين الذي يقفون أمام الكاميرا للمرة الأولى، ولكن الأداء التمثيلي يفتقر لعناصر أهمها التمثيل، بالإضافة إلى وجوههم التي لا تشبه أشكال الأردنيين.
ومع أن Netflix دافعت بشكل واضح عن موقفها مؤكده أن طاقم العمل تعرض للتنمر وأنها تقدم قيم التنوّع والشمولية ولذلك نحن تعمل الشبكة على توفير مساحة آمنة لكل محبّي المسلسلات والأفلام حول المنطقة"، إلا أن الهيئة الملكية الأردنية للأفلام أخذت الزاوية الأسلم وتحدثت بموجب اختصاصها وأكدت أنه "لا يوجد في نص القانون أي مهمة رقابية للهيئة. وبالتالي لا ننظر في النص أو السيناريو. لكن هذا لا يعني أننا نتنصل من مسؤولياتنا بل أننا نلتزم بالمهام المناطة بنا. وهذا لا يعني أيضا أن الهيئة تؤيد أو تشجع أو تحبذ أو توافق على مضمون الفيلم أو المسلسل".
وما بين Netflix والهيئة الملكية الأردنية للأفلام وحتى وزارة الثقافة الأردنية وتصريحات النواب والمهتمين من المهم أن نتعامل مع الأمر بمنطق واضح فالمشترك ضمن شبكة Netflix الذي دفع رسوم مالية مقابل مشاهدة المحتوى دفع مقابل مالي للمشاهدة وهو الأمر الذي ينطبق على مشاهد السينما أما مشاهد التلفزيون فهو لم يدفع أي مقابل ويقضي وقته مستهلكاً للبرامج، السؤال الذي يفرض نفسه بشكل واضح هل المحتوى الذي يعرض في السينما العربية أو عند الإنتاج العربي في Netflix كما ظهر في مسلسل جن أو الدراما العربية على الفضائيات تعكس الواقع العربي؟
في الدراما العربية يُلاحظ أن الإبداع والجرأة في الاتجاه السلبي اللاأخلاقي واللاديني واللاإنساني، حيث خاطبت الكثير من الأعمال الدرامية الغرائز الجنسية مستخدمة لغة الجسد الأيروتيكي لمراودة النفس السوية مصداقاً لقوله تعالى في سورة يوسف: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)، وواقع الدراما العربية يؤكد بشكل قاطع شيوع فن المراودة الذي دخل كل بيت، وتسعى جاهداً بفعل خطط المكر والشر ليستبيح عفتها ويفسد أخلاقها لتصبح بمثابة سوق النخاسة يتاجر به كل فاسد وآثم، ويشجع باختصار على كل ما حرمه الله.
وقد استطاعت الصناعة الفنية اليوم باسم الممنوع والمسكوت عنه؛ وباسم الواقعية وحرية التعبير أن تفرض على الساحة الثقافية والفنية توصيات يجب الامتثال لها، وممنوعات محرم الاقتراب منها؛ ومن اكثرها تأثيراً أن ليس للفن خطوطاً حمراء قيمية أو ثقافية وأخلاقية، فالمبدع فوق الكل هذه الفكرة أصبح الكل يرددها بدون استحياء كأنها وحي منزل علمًا أن المبدع ابن بيئته الاجتماعية والثقافية والروحية مهما علا شأنه.
وفي الأدبيات والقوانين التي تُنظم العمل الإعلامي العربية تتجه بوصلة حدود حرية التعبير من ناحية قانونية إلى المحافظة على أمن الدولة وأمن المعلومات ووثائقها ذات السيادة، كذلك الإنسان وما يسيء له، ومراعاة الأخلاق والمعتقدات حيث تؤكد غالبية المواثيق والقوانين الإعلامية العربية على منع التحريض وبث الشقاق في المجتمع، ونشر أخبار كاذبة تهدد مصالح الأمن العام والسلم الاجتماعي، وعدم نشر مواد ومواثيق منافية للأخلاق العامة أو المس بكرامة الأفراد وحياتهم الخاصة، ومراعاة السلم الأهلي والقيم والأعراف.
ومع ذلك ليس هناك أخطر من أن تتنازل الدولة عن حقها في التشريع والتنظيم؛ وفي العمل الإعلامي يكمن الخطر أن يكون الْمُشَرِّع صاحب مصلحة في الإعلام (مجموعات إعلامية، مشارك في أقمار صناعية) فتجد كل التشريعات المتعلقة بالعمل الإعلامي تصب في مصلحته أولاً، عندها تصبح حرية التعبير لعبة أهواء ومصلحة وليست مسؤولية فتتحول وسائل الإعلام من أدوات صناعة فكر وموقف إلى مجرد أداوت توصيل لأفكار وأهداف نبتت في بيئات غير صحية ظاهرها الحرية وباطنها استباحة الإنسان وتكميم الأفواه وإعاقة القدرة على التعبير وابتلاع الحريات.
لا ألوم شبكة Netflix على مسلسل جن فقد دفع المشاهد مقابل مالي للمشاهدة؛ ولكن ما يجب أن توجه له سهام النقد كُتاب النصوص الدرامية في العموم العربي حيث غابت البوصلة والهدف..
وأخيراً إن كانت التسلية هي الهمّ الأكبر للفضائيات العربية فهي وبكل صراحة تسلية قاتلة قد لا نشعر بها بشكل مباشر ولكن تتغلغل شيئاً فشيئاً في النفس البشرية، ويصبح همّ المشاهد الحقيقي التماهي مع التجربة المعروضة في الفن والرياضة والموسيقى والأزياء ومحاولة تقليد حياة الأثرياء، أما حياة أغلب المجتمع العربي البسيطة وحياة المسحوقين فهي لا تظهر أبداً وكأن العالم العربي يعيش وتحته أنهار من مال وذهب!!