كما حدث في الانتخابات الإسرائيلية عام 2015، يهاجم اليمين المتطرف وعلى رأسه رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) فلسطينيي 48 في الحملة الانتخابية، متحصنا - هذه المرة - بـ "قانون القومية" الذي ينص على أن "دولة إسرائيل هي الوطن القومي (للشعب اليهودي)، وأن حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على اليهود"!!! بل إن (نتنياهو) تمادى ووجه حديثه لفلسطينيي 48 قائلا: "هناك 22 دولة للعرب في المنطقة، وليس هناك أي حاجة لدولة أخرى"! وها نحن نستدعي إلى الذاكرة حقيقة أن (نتنياهو) فاز على القوائم الصهيونية الأخرى بانتخابات 2015 بعد أن حرض في اللحظة الأخيرة بأن "الناخبين العرب يتجهون إلى مراكز الاقتراع بأعداد كبيرة"!
لقد أظهرت نتائج مؤشر العنصرية والتحريض في الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية للعام 2018، الذي يعده "المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي" سنويا، أن هناك "ارتفاعا في منسوب التحريض والعنصرية الإسرائيلية عبر الشبكات الاجتماعية نسبة للعام 2017، وأن الذروة في 2018 كانت في فترة تشريع "قانون القومية"، وأن معظم التحريض تم تصويبه ضد النواب الفلسطينيين في (الكنيست) وعموم فلسطينيي 48 والأحزاب العربية". وعلى صعيد المعطيات العامة، تبين أن وتيرة كتابة منشور موجه ضد الفلسطينيين في العام 2018 بلغت حد كتابة منشور تحريضي كل 66 ثانية (في 2017 كانت الوتيرة: منشور كل 71 ثانية)، وأن عدد المنشورات التي تضمنت دعوة لممارسة العنف وتعميم عنصري وشتائم ضد فلسطينيي 48 في العام 2018 كان 474،250 منشورًا (في 2017 كان العدد 445,000)، وكذلك بأنه (1) من أصل (10) منشورات عن العرب تحتوي على شتيمة أو دعوة لممارسة العنف ضد فلسطينيي 48 (في 2017، كان 1 من أصل 9)".
ضمن مشاهد الدعاية الانتخابية ضد فلسطينيي 48، تم توزيع شريط فيديو يقوم فيه عضو الكنيست (أورن حزان) بإطلاق النار على رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي النائب جمال زحالقة، من خلال مونتاج للفيلم الأميركي "الطيب، الشرير والقبيح"، حيث يمثل (حزان) في الشريط دور "القبيح" في حوض استحمام، فيقوم بإطلاق النار عدة مرّات على شخص وضعت على وجهه صورة زحالقة. كذلك، قالت وزيرة الثقافة (ميري ريغيف) شديدة التطرف: "على الجمهور أن يكون حذراً، لأنه إذا انتُخبَ (بني غانتس) إلى حد معين، سيكون مضطراً إلى تشكيل حكومة مع العرب ومثل هذه الحكومة ستزعزع أمن الدولة ومواطنيها".
في تغريدة لها، احتجت الممثلة والمذيعة الإسرائيلية الشهيرة (روتم سيلع) احتجت فيها على عملية نزع الشرعية عن التمثيل السياسي لفلسطينيي 48، قائلة: "متى سيبث أحد ما في هذه الحكومة للجمهور أن إسرائيل هي دولة جميع مواطنيها. وجميع البشر ولدوا متساوين. والعرب أيضا هم بشر. والدروز كذلك"! وفي مناخ اندلاع نار السجال في المشهد الانتخابي الإسرائيلي بشأن الخوف من نجاح فلسطينيي 48 في انتخابات "الكنيست" (البرلمان الإسرائيلي)، رد (نتنياهو) على (سيلع) قائلا: "بودّي توضيح نقطة يبدو أنها غير واضحة للجمهور الإسرائيلي وتخلق بعض البلبلة. إن إسرائيل هي دولة يهودية وديمقراطية، وهذا يعني أنها الدولة القومية (للشعب اليهودي) وهي له فقط. وطبعاً إن الدولة تحترم الحقوق الشخصية لجميع مواطنيها من اليهود وغير اليهود على حد سواء، لكنها كدولة قومية هي ليست لجميع مواطنيها وإنما (للشعب اليهودي) فقط". وفي المقابل، رد الرئيس الإسرائيلي (روفين ريفلين) على (نتنياهو) بالقول إن "فلسطينيي 48 ليسوا ناخبين من الدرجة الثانية" وأنه "لا يوجد مواطنون من الدرجة الأولى" في (البلاد)". وختم: "عندما نواجه الاقتراع سنكون جميعاً متساوين، اليهود والعرب. في الكنيست سيتم تمثيل الجميع، يهودا وغير يهود". وفي السياق، عبرت افتتاحية لصحيفة "هآرتس"، كتبتها أسرة التحرير: "كلام نتنياهو اعتراف علني بأنه عن طريق "قانون القومية" لم تعد دولة إسرائيل دولة ديمقراطية. هنا يتضح ما كان خافياً: هدف قانون القومية أن يوضح للمواطنين العرب أنهم في نظر الدولة مواطنون من الدرجة الثانية. صحيح أنهم "متساوون في الحقوق مثلنا"، لكن يجب أن يعرفوا أن الدولة ليست لجميع مواطنيها، ونظراً إلى أن إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها، أية ظروف سياسية تتألف في إطارها حكومة تشمل أحزاباً عربية "ستزعزع أمن الدولة ومواطنيها".
من جانبها، خصصت صحيفة "الغارديان" البريطانية افتتاحية انتقدت فيها تصريحات (نتنياهو) بحدة، ووصفت تصرفاته بأنها "متعصبة وعمياء وتلعب على تغذية الانقسام". وقالت: "كان يفترض أن تكون تصريحات نتنياهو صادمة، لكنها في الحقيقة كشفت بوضوح الهدف من قانون القومية الذي جعل الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية". وأضافت الافتتاحية: "هذه التصريحات كان ينبغي أن تكون مخزية لو كان يعرف الخجل، لكن حملة نتنياهو للترشح لفترة جديدة في رئاسة الوزراء رغم الاتهامات الموجهة إليه بالرشوة والفساد توضح أنه ليس كذلك، وأنه يتقوى بتعزيز الانقسام". ثم تختم "الغارديان" بإدانة قاطعة: "تصرفات نتنياهو الأخيرة تعصب أعمى ومقيت وانحراف نحو التطرف، وكذلك ينطبق الأمر على تحوله الشنيع لليمين وجمع الأحزاب المتشددة، ودمج القوى العنصرية اليهودية المعادية للعرب والأحزاب المساندة للاستيطان ومساعدتها على عبور عتبة التمثيل في الكنيست لدعمه بشكل شخصي في رئاسة الوزراء".
لقد رسخ "قانون القومية" الإسرائيلي تفوق موقع اليهود، وأقر بأن إسرائيل هي دولة أي يهودي من أي بقعة في العالم أكثر منها دولة لأي مواطن عربي من مواليد هذه الأرض! هنا يظهر للجميع حقيقة سبب إغفال "القانون" المقصود لمصطلح المساواة كقيمة تأسيسية في "دولة إسرائيل"، كما جاء فيما يسمى "وثيقة الاستقلال" الإسرائيلي، وهو التطور الذي أسس مؤخرا لمساعي التعزيز، بل التوليد المستمر، لخطاب الكراهية ضد فلسطينيي 48.