بقلم: المهندس صلاح الدين ابو دية
بنهاية شهر شباط من عام 2018، صدرت
الإرادة الملكية السامية بإقرار نظام الأبنية والتنظيم لمدينة عمان رقم (28) لسنة
2018، الصادر بموجب المادة رقم (67) من قانون المدن والقرى والأبنية رقم (79) لسنة
1966. تم إقرار هذا النظام ليكون بديلاً للنظام رقم (67) لسنة 1979 وتعديلاته،
والذي تم أخر تعديلاً عليه عام 2005.
تم إصدار هذا النظام الجديد لتحقيق عدة
اهداف من وجهة نظر المشرع، منها:
- معالجة الاختلالات الفنية الموجودة
في النظام السابق.
- ادخال مفاهيم جديدة للنظام لم تكن
موجودة.
- الحد من المخالفات.
لعل تعديل أبعاد وأحكام ومتطلبات مواقف
السيارات لمختلف أنواع الأبنية، تُعد من أبرز الاختلالات التي عالجها النظام
الجديد؛ إذ تم زيادة عرض الموقف ليصبح (2.5م)، بعد أن كان (2.3م) في النظام
السابق، حيث تبين أن العرض قليل؛ خاصة في ظل زيادة حجم المركبات، كما تم زيادة عرض
الممر ليصبح (6م) بدلاً (5.5م)؛ للتسهيل على سائق المركبة بالاصطفاف والدوران
والخروج، فضلاً عن زيادة أعداد المواقف المطلوبة للمهن التجارية المختلفة؛ حيث تم
التشديد على المهن المسببة لازمات مواقف في الشوارع التجارية كالمطاعم، ومراكز
التسوق، والمقاهي، وغيرها.
من جهة ثانية، تم إلغاء طابق السطح
(الروف)، الذي كان مسموحاً بترخيصه على سطح البناء بشروط معينة؛ نتيجة سوء
استخدامه، لاسيما في أبينة الشقق السكنية، حيث كان الهدف منه خدمة سكان البناء، من
خلال استخدامه كغرفة لخزانات المياه، أو غرفة للبويلرات، أو خزين خاص، ونحوها من
الخدمات الأخرى ولم يكن يسمح باستعمالها للسكن، إلا أنه ظهرت بعض التجاوزات
باستخدام هذا الطابق للسكن خلافا لشروط الترخيص؛ مما أدى للاختلاف بين سكان الابنية
على احقية استخدام هذا الطابق وتقديم شكاوي للجهات الرسمية المختصة وعدم قدرة
أمانة عمان على حل هذه المشاكل قانونياً لغاية الآن، علماً بأن عدد الابنية
المخالفة لطابق السطح تقدر بأكثر من عشرين ألف مبنى.
ومن المفاهيم الجديدة التي تم إضافتها
للنظام الجديد، مفهوم الكثافة السكنية، الذي يتم بموجبه تحديد عدد المساكن المسموح
ترخيصها لكل مبنى؛ مما يحد من زيادة عدد المساكن في الأحياء السكنية، ويخفف الضغط
على البنية التحتية المتهالكة، ويحد كذلك من تزايد عدد السيارات في الشوارع
والأحياء، التي تتسبب بأزمات مرورية خانقة في مدينة عمان، علماً بأن الكثافة
السكنية لعمان بحسب الدراسات الرسمية، لا تتجاوز (5000 نسمة لكل كم2)، وحتى تكون
المدينة كفؤة وتستغل البنية التحتية أفضل استغلال، يمكن إن تصل بهذه النسبة إلى
(9000 نسمة لكل كم2)، مما يعني أن مشاكل المدينة ليست بسبب زيادة عدد السكان او
زيادة عدد المساكن، ولكن ما تعانيه المدينة من عدم وجود نقل عام منظم وعصري، إضافة
لعدم صيانة وتحديث خدمات البنية التحتية الأخرى، كشبكة الصرف الصحي، وشبكة تصريف
مياه الأمطار والشوارع، كما أن تطبيق مفهوم الكثافة سيؤدي الى التوسع في البناء
أفقياً، مما يتطلب فتح مناطق تنظيم جديدة و توصيل البنية التحتية لها، الأمر غير
الممكن حالياً؛ نظراً لما نعانيه من أزمة اقتصادية.
وللحد من المخالفات، تم زيادة رسوم
غرامات المخالفات ومضاعفتها عدة أضعاف، رغم إقرارنا بأن مضاعفة رسوم المخالفات
سيمنع عدداً من الراغبين بالبناء من المخالفة والتجاوز على النظام، لكنها ليست
الطريقة الناجعة لمنع المخالفات؛ لاسيما أن زيادة رسوم الغرامات، سيؤدي بالمالك
بالمفاضلة بين قيمة الغرامة وبين الفائدة من المخالفة، فإن كانت الفائدة أكبر فإنه
حتماً سيختار المخالفة، وذلك عملاً بالمثل الشعبي القائل: (اللي بتعرف ديته طخه)،
كما ستكون النظرة إلى الغرامة والمخالفة نظرة تجارية بحته، في حين باستطاعة كوادر
أمانة عمان منع المخالفات من خلال تفعيل أدوات الرقابة وتطبيق القانون على
المخالفين بعدالة ودون تغول على المواطن أو المستثمر.
ولابد من الإشارة هنا، أن فترة ثمانينيات
وتسعينيات القرن الماضي، لم تشهد أية مخالفات تذكر؛ وذلك نظرا لفعالية أدوات
الرقابة وتطبيق القانون على الجميع بعدالة آنذاك، بينما زادت المخالفات بعد ذلك
الوقت لأسباب يعلمها الجميع.
وفي الختام، أقول بأن مخرجات نظام
الأبنية والتنظيم، لابد أن تراعي حقوق ومكتسبات كافة الأطراف، وهم المدينة،
والمواطن، والمستثمر، سواء المستثمر بالقطاع التجاري، أو الصناعي، أو العقاري، أو
غيرها، بينما نجد أن هذا النظام تغول على حقوق المواطن ومكتسباته، كما تغول على
كافة القطاعات الاقتصادية، خاصة القطاعات التجارية والعقارية، مما يستوجب وقف
العمل به وإعادة دراسته بالكامل وبالتشارك مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية
بتطبيقه؛ للخروج بنظام عصري يراعي حقوق كافة الأطراف وينقل المدينة للحداثة لتصبح
مدينة عصرية ذكية، تضاهي المدن العصرية في البلدان المجاورة.