ابراهيم عبدالمجيد القيسي
في بعض البلدان «بتعرفوها»، وحين يتم القبض على أحد مواطنيها من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة في تلك البلدان، تغيب شمسه، وقد يكتفي أهله بجواب السائل عنه بأن «فلانا عند بيت خالته»، فيصمت السائل والمسؤول، ولا يمكنهم البحث عنه أو السؤال عن مصيره، فالقاعدة المعروفة عندهم في تلك المجتمعات «خير له أن لا تسأل عنه» ..! والمعنى أن المعتقل أو السجين ومهما كانت حالته سيئة في السجن، فهي ستكون أفضل منها قبل أن يتم السؤال عنه من قبل أهله..يعني «كلوا هوا واسكتوا أحسن اله وإلكو».
كنا نخاطب أقراننا الأطفال بنبرة تهديد وتحذير «بروح فيك مؤبد» .. عبارة تنطوي على شبه معرفة أو ربما معرفة مؤكدة بمصير الجاني، فهو السجن «آنذاك»، لكنه اليوم اسمه عندنا «مركز الإصلاح والتأهيل».. يصلح حال الجناة والمخطئين ويؤهلهم الى حياة أفضل من تلك التي قادتهم الى «بيت الخالة»، حيث لا حرية ولا راحة بل دخول في نادي الجريمة الى غير رجعة.
مراكز الإصلاح والتأهيل ليست فنادق كما نعلم، لكنها أماكن تم بناؤها وفق أسس ومعايير قانونية محلية ودولية، وهي ليست مجرد «بيت خالة» كما يقال، حيث يعيش فيها مجتمع من الناس، يمضون عقوبات قضائية، ويديرها جهاز أمني وطني في من خلال إدارة تتبع لمديرية الأمن العام، حيث يقول العميد أيمن تركي العوايشة مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، بأن العلاقة بين الأمن والناس الذين يقضون محكومية في المراكز المختلفة هي علاقة نزيل بإدارة، تضبطها قوانين تستند الى الدستور الأردني وتتفق مع معايير دولية، وتقع في عين المتابعة الدولية التي تقوم بواجبها سواء في الأردن أو في غيره من بلدان العالم «من غير البلدان المذكورة في المقدمة».
وذكر العوايشة خلال لقائي الإذاعي معه معلومات كثيرة مهمة، تتناول الإجراءات التي تنتهجها مديرية الأمن في إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، وكان لشرعة حقوق الإنسان ذكر كثير في حوارنا، فهناك العديد من المفاصل والإجراءات والعمليات التي تجري في هذه المراكز، وتحكم العلاقة بين النزيل والادارة، وكلها تستند الى مفاهيم دولية حول حقوق الإنسان:
النزيل؛ إن سألنا عن مبررات وجوده في «السجن»، فهو إنسان يدفع للمجتمع ضريبة قضائية عادلة، وله حقوقه الاجتماعية الانسانية:
حتى نهاية اكتوبر عام 2018 تم تسجيل أكثر من 950 الف زيارة للنزلاء من قبل ذويهم، وفي الوقت نفسه تم تسجيل أكثر 420 زيارة من قبل المنظمات الدولية لمراكز الاصلاح والتأهيل، وثمة أكثر من 100 حالة خلوة شرعية، قام بها نزلاء مع زوجاتهم أو نزيلات مع أزواجهن، من بينها نزيلة في مركز إصلاحي، اختلت شرعيا بزوجها النزيل في مركز اصلاحي، علاوة على حق النزيل بحضور حالات الوفاة لأقاربه من الأصول والفروع لاستقبال التعازي.. ولا تنسوا انه «ماكل شارب نايم ومغسّل عليه»..
ماذا بعد؟.. ثمة الكثير لكن أرجو أن لا تعتبر هذه المقالة ترويجا ودعاية للذهاب الى «بيوت الخالات»، بل هي تقع في باب معرفة حجم التحضر والمدنية في قوانيننا التي تنتهجها مؤسساتنا الوطنية، لا سيما ونحن نتحدث عن جهاز أمني حقق درجات من التقدمية في التفكير والتنفيذ والإجراء، سبقت في تقدميتها تفكير «بعض الحكومات السابقة»، وقد كتبنا سابقا عن حضارية وخبرات وشهادات ضباط وأفراد جهاز الأمن العام، فهم شباب وعلاوة على كرمهم علينا بأرواحهم، فهم يقدمون مثالا أردنيا راقيا في أداء واجباتهم الأمنية، حيث تجاوزوا كثيرا تلك النظرة التقليدية الجاثمة في عقول مجتمعات كثيرة تشيطن السلطة ورجالها وتعتبر رجل الأمن «جلاّدا» قمعيا متوحشا..
السجن هو عنوان ضياع الحرية بالحركة والتنقل بلا شك، لكن النزيل فيه يتمتع بكل الحريات الأخرى، المضبوطة بقوانين وإجراءات، وقد سجلنا خلال عام 2018 قفزة أردنية مهمة في التعامل «الديمقراطي» داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، حيث سمحت بل بادرت مديرية الأمن العام لحث النزلاء على اختيار ممثليات لهم، يتم انتخابها من قبل النزلاء أنفسهم، وتفرز مجالس تمثيلية لهم، تتواصل مع الإدارة في شؤون ومطالب تخصهم، كما طالعتنا وسائل الإعلام أمس عن زيارتها لمركز اصلاح وتأهيل الزرقاء والاطلاع ميدانيا على ما يقدمه النزلاء من أعمال ابداعية من خلال مسرحهم الخاص، الذي تم تدشينه بمبادرة من قبل مديرية الأمن العام أيضا، لأنها تدير هذا الشأن بناء على مسؤولية وطنية انسانية، تهدف الى توعية الناس بالقانون وبالحقوق والواجبات والاطلاع على التجارب الحية، للحد من السقوط في الجريمة، وعدم النزول في «بيت الخالة».