بقلم: فادي محمد الدحدوح
لا تكاد تتوقف الأزمات على عصرنا الحديث..! تنهمر كالمطر، تشتد، تعصف بكل الأماكن وتدمر دعائم الأمن والاستقرار، وتعيق التنمية في كل مجالاتها المختلفة، وتسبب الأضرار الضخمة على الأفراد، والجماعات، وعلى المؤسسات والحكومات، مما يجعل التصدي لها أمراً لازماً، والعمل الجاد من أجل معالجتها معالجة شافية وكافية، بكل الوسائل الممكنة وتخطى المستحيل في تجاوزها.
القادة.. صناع القرار.. المراكز والمؤسسات، المفكرون، والباحثون، حسب قدراتهم، ومهاراتهم، وتخصصاتهم العلمية المتعددة، يجب عليهم عدم السكوت إزاء هذه الظواهر المخيفة من الأزمات المتتابعة، أو التواكل في مواجهتها ومعالجتها.
ولما كانت ظاهرة الإرهاب تمثل خطورة على البشرية كلها، كان الواجب التصدي لها، ومواجهتها متعين على كل أفراد المجتمع، ومؤسساته، وكان من الصعب جداً إبراز دور كل المؤسسات التي يمتلكها المجتمع في مواجهة ظاهرة الإرهاب.
لا بد من الدخول مباشرة إلى علاج أسباب الإرهاب بأسلوب علمي منهجي ويدخل في نطاق ذلك معالجة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...إذا كان هناك مؤشرات على وجودها.
الأسرة إنها الركن الركين والعمود المتين وهي اللبنة الأولى في بنيان المجتمع وبيئتها، وأول ما يراه الطفل في حياته، حيث ما يزال على الفطرة، وبوساطتها ترتسم في ذهنه أولى صور الحياة، ولهذا فلا غرابة أن تكون لها تأثيرات مهمة في حياة الفرد، فهي تشكل فكر الطفل في فترة يكون فيها سهل الانقياد؛ لأن الأمر يعسر فيما بعد.
يفوق دور الأسرة على توفير النواحي المادية فقط، بل إن دورها يتعدى إلى التربية والتهذيب والتوجيه للفرد، وتعويده المهارات السلوكية الحسنة، وإن جو الحنان له أثر كبير في وقاية الطفل من الانحراف في المستقبل؛ لذا ينبغي إمداده بشحنات وطاقات من الحنان والإيجابية والنهج السليم.
والأسرة مسئولة عن وقاية أبنائها من الانحراف من خلال إيجاد الجو الأسري المناسب الذي تغمره عاطفة الأبوة والأمومة الضروريتان لنمو العواطف لهؤلاء الأطفال؛لأن العاطفة تشكل مساحة واسعة من نفسية الطفل، حيث يتم بناء نفسيته وتكوين معالم شخصيته.
إن التفكك الأسري يُسهم في إيجاد العديد من المشكلات ومنها المشكلات السلوكية والعاطفية والصحية الاجتماعية، وقد دلت الدراسات على أن نسبة كبيرة من الجانحين المتهمين بالسرقة من الأحداث ناتج عن تقصير أسري، وهذا يدل على أهمية العطف والحنان في هذه الفترة من حياة الطفل من حيث نموه بشكل متزن وسليم، كونه من أسباب الوقاية له من الآثار السلبية والعقد النفسية.
ومع اندفاع التكنولوجيا الحديثة جاءت التغييرات متسارعة فكان من نتائجها السلبية ضعف سلطة الأهل على الأبناء، لكن ما تزال الأسرة هي اللبنة الأساس في تربيتهم. لذلك، لا بد من استعادة دور الأسرة في تربية الأبناء على القيم الإيجابية والمرونة وقيم الشراكة، والتعاليم الدينية التي تركز على التقوى والأخلاق والمعاملة الحسنة. وهي أيضاً قد تكون الحلقة الأهم في معالجة والقضاء على السلوك العدواني والتطرف وإحباط نزعات الأبناء للتطرف. وهنا يبرز دور الأم في منع الانزلاق للتطرف لأنها الأكثر قرباً ومعرفه بالتحولات الفكرية والسلوكية التي تطرأ على الأبناء والمشاكل التي يتعرضون لها.
وأخيراً لا بد من الخلاص، والعودة للأمن والاستقرار والحياة الكريمة لكافة المجتمعات، لذلك لا بد من طريق ممهد لمعالجة الإرهاب وما ينتج عنه، والأسرة هنا نقطة المسار؛ فلا بد من أسلوب العقل والحوار في معالجة قضايا الإرهاب؛ فالضغط والإرهاب لا يزيد الأمور إلا مضاء وقوة وإصراراً، فينبغي إقامة الحوار البناء مع الأبناء الغلاة، على أسس شرعية، كما يجب بأن يضطلع كل فرد بدوره بدلا من ضياع المسئولية، فالأم تبدأ بنفسها، والأب يبدأ بنفسه والمعلم والداعية والمدرب وكل في موقعه، ليتعرف كل فرد على دوره التربوي في ترسيخ تلك القيمة حيث أن القدوة هي خير السبل لترسيخ القيم الحميدة.
وإنه من الأهمية بمكان رفع درجة وعي الفرد من مختلف الأعمار بشتى الظروف والملابسات والنواحي المختلفة المرتبطة بحياة الأسرة من الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والنفسية، بغية تحقيق السعادة والاستقرار للأسرة والمجتمع؛ فالأسرة بقيمها السامية الرفيعة تنتج جيلًا ديمقراطيًّا متسلحًا بالقيم الإيجابية التي ترفض العدوان والسلوك الإنحرافي ومظاهر الإرهاب، وتعزز مفاهيم الخير والأمن وتتمسك بقيم العدالة وتنادي بحقوق الإنسان وفق القنوات السليمة المستمدة من الشريعة الإسلامية وتعمل على احترام الحقوق والواجبات وتؤمن بالتعايش السلمي واحترام الأقليات ونبذ العدوانية .