هل وجود إنسانة متعرية يبرر وقوعنا في الخطأ ؟
سؤال صادم يتبادر إلى الذهن أحياناً لما نراه في مجتمعاتنا العربية من تصرفات مسيئة بحقنا للأسف، ونحن هنا لا نناقش حكم التعري أو مضمونه من وجهة نظرنا نحن أيا كان ديننا أو معتقدنا، إنما نتساءل هل وجود ما نعتقد أنه خطأ يبرر وقوعنا نحن في الخطأ ومعالجة الخطأ بخطأ مثله أو أكبر منه بحجة عدم التقيد بالصواب الذي نؤمن نحن به !
ولنتعمق أكثر في التساؤل لنتفكر سوياً في كيفية تعامل مجتمعاتنا مع "الاختلاف" الذي يجب أن يكون موجود فيها، لنجد الاجابة سريعاً في عدد النقاشات التي تدور بيننا وتنتهي بشجار ومعركة أو على الأقل بضغينة تملأ الصدور ولو اجتهدت في إخفائها الوجوه، فقط لأن الشخص المقابل لم يحمل نفس أفكارنا أو يؤمن بصحة ما نطرحه أو حتى ربما لاختلافه في الشكل والمظهر أو الجنس عنا.
ونتيجة ذلك بالطبع لن تكون إلا ما نحن عليه من تأخر بين ركب الأمم على كافة المستويات للأسف، ذلك لأن البعض منا ببساطة لم يؤمن يوماً إلا بالدعاء على الأمم "المختلفة" عنه وسؤال خالقه أن يمحقها ويخفيها من على وجه الارض فقط، في مقابل أن تلك الامم إنشغلت بتطوير نفسها واللحاق بركب التقدم في كافة المستويات، لأنها آمنت واحترمت حق الاختلاف الموجود فيما بينها وتعاملت معه برقي وتقدير ليكون عامل إيجابي في مجتمعاتها، وهو الأمر الموجود في صلب ديننا الاسلامي الحنيف وكل الديانات السماوية التي سبقته بالمناسبة.
والغريب أنك تجد هذا "البعض" عندما يخرج لتلك البلاد "المختلفة" عنه في كل شئ والتي يدعو عليها ويتمنى زوالها ليل نهار يتعامل معهم بكل إحترام وتقيد بالأنظمة ويحترم الاختلافات فيما بينها أشد إحترام، فتراه يتحدث بكل إحترام ولباقة مع تلك الأنثى ذات اللباس المتحرر أو حتى "المتعري" من وجهة نظره، أو ذلك الرجل صاحب الفكر الملحد، أو غير ذلك من الاختلافات التي يراها، ويتعامل مع الجميع في مجتمع مدني يبحث فيه عن رزقه ويمارس حقه فيه بممارسة معتقده الديني والفكري بدون أي تجاوز أو إساءة ويلجأ للأنظمة والقوانين لمعالجة أي خطأ يراه فيها، بينما تجده في مجتمعه يسارع لتوزيع الاتهامات وأسوأ الصفات والشتائم يميناً ويساراً لكل ما يراه مختلفاً عنه.
وجود الاختلاف في مجتمعاتنا أمر حتمي لابد وأن يكون موجود بيننا، لكن الفن في أن نعرف كيف نتعامل معه بطريقة تسمح أن نضع بها أيدينا بأيدي بعضنا البعض بدون انتقاص أي حق لأحد حتى وإن اختلفت ألوان وأشكال وأجناس هذه الأيادي، وبدون أن نمنع اي منها حقها في إعمار مجتمعها والمساهمة فيه باحترام وتقدير، وقدوتنا في ذلك النبي المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام وكافة الأنبياء والمرسلين من قبله ممن كانوا يقربون إليهم كل البشر بما فيهم "العصاة" ويؤلفون قلوبهم بسماحة خلقهم وطيب ورقي تعاملهم، فان كنا نريد النجاح في ذلك للارتقاء بمجتمعاتنا ينبغي على كل منا أن يراجع نفسه و"يوشوشها" فن التعامل مع "الاختلاف"، ذلك لأنها هي "المفتاح" لكل تصرف من تصرفاتنا يمكن أن يرتقي بنا وبأمتنا أو يهوي بنا جميعاً أكثر وأكثر في الوديان السحيقة.