بقلم: م. عبدالرحمن "محمد وليد" بدران
عدة أيام مرت عصيبة على جميع الأردنيين في داخل وخارج البلاد، أيام راود البعض فيها أفكاراً مرعبة بأن البلد تنجر بأكملها نحو الهاوية وأن الامور ستنفلت من عقالها كما حدث في دول مجاورة لتحرق الأخضر واليابس عاجلاً أم آجلاً، ولكن الشعب الأردني بكل مكوناته من مواطنين وأجهزة أمنية كباراً وصغاراً نساء ورجالاً، بكل أطيافهم وألوانهم ومعتقداتهم لم يقبلوا إلا أن يرسموا لوحة تكاد تكون الأجمل بين كل لوحات الدول التي شهدت مثل هذه الاضرابات والاعتصامات في السنوات الأخيرة، فأين رأينا "إلا في الأردن" مواطنين ينهون إعتصامهم بمعانقة رجال الأمن وتقبيل رؤوسهم، أو أطفال يسارعون لتقديم الحلوى لرجال الأمن الذي يقفون أمامهم، ونساء تسارع لتقديم الورود لمن يسهرون على حمايتهم والعرق يتصبب منهم ويتحملون في سبيل ذلك كل ما يمكن أن تضيق النفس به، وأين رأينا متظاهراً يؤم رجال الأمن في الصلاة ومتظاهرين آخرين يجلسون لتناول السحور يداً بيد مع رجال الأمن في بلادهم، أو متظاهرين يعبرون عن رفضهم لسياسات الحكومة بالغناء والموسيقى بكل إحترام ورقي، كل هذ المظاهر رسمت اللوحة التي نتمناها جميعاً لبلادنا ولا نحب أن نرى غيرها في أعيننا، فبمثل هؤلاء تزدهر الأوطان وتعلو وترتقي وبمثل هؤلاء نرفع رؤوسنا عالياً لنفاخر بهم الدنيا، بمثل هؤلاء الشباب الذين أثبتوا للعالم بأن الشعب الأردني مازال حياً ينبض بالحياة والحيوية، وبأن هذا الشعب هو من أكثر شعوب العالم الذي توحده الأزمات وتجعله يلتف يداً واحدة حول كل حبة من تراب بلده ليحافظ عليها بماء عينيه.
ومن جديد تثبت قيادة البلاد الهاشمية حكمتها بقيادة أبا الحسين حفظه الله وأن الحفاظ على أرواح المواطنين لديها أهم وأغلى من كل الحكومات والوزارات بالاستجابة السريعة للمطالب الشعبية وإعفاء حكومة الدكتور هاني الملقي، لتضرب نموذجاً يستحق أن نفاخر به العالم لقائد يعيش نبض شعبه ويتفاعل معه بل ويرسل ولي عهده للميدان للتأكيد على حق كل مواطن في التعبير عن رأيه دون المساس به.
اليوم يتفائل كثيرون باختيار الدكتور عمر الرزاز لرئاسة الحكومة الجديدة وهو الرجل الاقتصادي المحنك قبل أن يكون وزيراً للتربية والتعليم، وبدورنا نتمنى أن يسارع الدكتور الرزاز بتشكيل حكومة عصرية شابة بعيدة عن الأسماء المكررة تليق بما رأيناه من روعة ورقي الشعب الأردني الشاب الحيوي، ونرى فيها وزراء من أصحاب الخبرة في مجالاتهم ممن قدموا مصالح الوطن على مصالحهم كأن يكون فيها "مثلاً" بعض المخلصين من مجلس النقباء وغيرهم ممن قاد الحراك في الشارع بكل حرص على الوطن.
وأن لا تتأخر الحكومة الجديدة في إتخاذ قرارات تمتص غضب الشارع سريعاً بسحب قانون الضريبة فوراً وبدون تأخير وفتح الحوار مع كل مكونات الشعب حوله، وإتخاذ قرارات سريعة بتخفيض أسعار الوقود والضرائب التي أثقلت كاهل المواطنين ما أمكن ذلك، لتثبت أن النهج بالفعل سيكون مختلفاً عن سابقاتها ولأجل هذا بالذات نتمنى أن نرى الرئيس المكلف الدكتور الرزاز ينزل إلى الميدان ليجلس مع الشباب ويحاورهم ويسمع منهم بنفسه، وهو الرجل القادر على ذلك وقد كان مؤتمناً على أجيال التربية والتعليم حتى قبل يوم من تكليفه برئاسة الحكومة.
لا ننكر بأن دموعنا لم تتحمل روعة وجمالية المشاهد التي رأيناها في بلادنا خلال الأيام الماضية، والتي إختلطت بمشاعر الخوف على هذه البلاد التي عاشت في قلوبنا وطناً يخالط نبض القلب قبل أن نعيش فوق ترابه.
ولذلك كان حق علينا أن نرسل قبلة على جبين كل من أخلص الحفاظ على وطنه وعمل لأجله فوق كل أرض وتحت سماء، ولكل شباب بلادنا الورود الزاهرة الذين نفاخر بهم وبعبق نبضهم الدنيا بأسرها ونرى بهم مستقبلاً مشرقاً لبلادنا باذن الله، ولقيادة بلادنا الهاشمية التي تثبت في كل مرة أن الأردن يبقى وطناً صلباً لا يهزم باذن الله طالما كان أول جنوده ملك هاشمي معه شعب مستعد لتقديم الغالي والنفيس لأجل الحفاظ على أمن وإستقرار وطنه.
حفظ الله الوطن وأهله من كل شر لنبقى دائماً نردد جميعاً بعالي الصوت: "ويبقي الأردن وطناً يسير بمجده العالي إلى الأعلى بنفس وهمة كل بناته وأبنائه دائماً باذن الله تعالى".