شاهدنا قبل فترة الأحداث المؤسفة بين عشيرتين من ركائز العشائر الأردنية العريقة، والتي ما لبثت أن تسارعت خلال يومين حتى كادت أن تتحول إلى أحداث دامية لولا لطف الله عزوجل ثم حكمة رجال الوطن المخلصين من أبناء العشيرتين، والذين بادروا لتهدئة الأنفس سريعاً لوضع حد أمام كل من يحاول إستغلال الأمر لاشعال النيران في أطراف الوطن وكل مافيه من بشر وحجر "وما أكثرهم".
وهذه الأيام ونحن نستقبل الذكرى 72 لاستقلال بلادنا والتي تمثل الذكرى الأغلى لكل محب لتراب هذا الوطن وأهله، لعلنا نستذكر بعض أقوال الهاشميين ممن عملوا على تدعيم ركائز الدولة منذ يوم إستقلال المملكة الأردنية الهاشمية يوم 25 من شهر آيار/مايو من العام 1946، لتكون دولة يعيش فيها كل الأردنيين بعزة وكرامة محفوظة مهما كانت الاختلافات أو الخلافات فيما بينهم.
فنرى وصية الشريف الحسين بن علي لجنوده المنتصرة والتي نشرت في العدد 65 من جريدة القبلة أول جريدة عربية هاشمية صدرت من مكة المكرمة في الحجاز مابين الأعوام 1916-1924م تجسد المعاني الحقيقية لالتزام الهاشميين بالأخلاق الهاشمية المعبرة عن سماحة ديننا الاسلامي وسمو معانيه، عندما خاطبهم قائلاً: "أوصيكم باتباع المنهج الذي سنته الشريعة الغراء بمراعاة الأسرى واللاجئين إليكم والمحافظة عليهم وإكرام نزلهم ومثواهم وعدم مس أحدهم بسوء"، وهو مانراه حقيقة واقعة اليوم بعد أكثر من 90 عاماً من هذه الكلمات حتى أضحت ربوع بلادنا الأردنية ملاذاً آمناً لكل لاجئ يلتجأ إلى حماها وينتخي بأهلها وعشائرها.
ونستذكر كلمات الشريف الحسين في رسالته الثالثة إلى السير هنري ماكماهون الممثل الأعلى لملك بريطانيا في مصر خلال الحرب العالمية الأولى: "لا فرق بين العربي المسيحي والمسلم فانهما أبناء جد واحد، وسنقوم فيهم منا معاشر المسلمين ما سلكه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أحكام الدين الاسلامي ومن تبعه من الخلفاء بأن يعاملوا المسيحيين كمعاملتهم لأنفسهم بقوله: (لهم مالنا وعليهم ما علينا)، علاوة على إمتيازاتهم المذهبية وبما تراه المصلحة العامة وتحكم به"، وهاهو المسيحي والمسلم اليوم بعد مايزيد عن 100 عام من هذه الكلمات يعيش واقعاً فعلياً في ربوع الأردن بتآخي الدم والانتماء للوطن لا يسمح لأي طرف منهم التعدي على حقوق الآخر أو الانتقاص من مواطنته.
وهو الأمر الذي جسده الملك عبدالله بن الحسين الأول المؤسس للمملكة الأردنية الهاشمية عندما أوضح للعالم حقيقة الثورة العربية الكبرى بقوله: "إن العرب لم يكونوا في نهضتهم وثورتهم دعاة فتنة أو طماعية، بل دعاة حق وحرية وسيادة قومية"، وهو ماعمل على ترسيخ معانيه خلفه الملك طلال بن عبدالله من توطيد للعلاقات الأردنية مع الدول العربية المجاورة كالمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والتي أصبحت أنموذجاً في التآخي والتعاضد إلى وقتنا الحالي.
لتأتي كلمات الملك الحسين بن طلال الذي إستلم راية الوطن بعد والده: "فلنبني هذا الوطن ولنخدم هذه الأمة"، واقعاً ماثلاً أمام أعيننا بالعمل الدؤوب لبناء هذا الوطن بسواعد أبناءه، كل أبنائه بدون إستثناء مهما كانت التحديات والصعاب، وتعزيز دور الأردن الفاعل في كل قضايا الأمة العربية والاسلامية على مر السنوات والأزمنة، وهو ما أكدته كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عندما عرف الاردني بقوله: "من هو الأردني؟ هو الذي يعتز بهويته الأردنية بغض النظر عن جذوره ومنبته، وبانتمائه الحقيقي لهذا الوطن، والأردني هو الذي يقدم مصلحة الأردن على كل المصالح والاعتبارات، وهو الذي عندما يمر الوطن بظروف صعبه أو استثنائية، يسمو بكرامته وانتمائه على كل مصلحه شخصية أو حزبية أو جهوية، يقف بجانب الوطن في مواجهه كل تحديات، والأردني هو الذي يقوى بالوطن ولا يستقوى عليه ولا ينتهز الفرص للتحريض عليه، والأردني هو من لا يقبل بأي أجندة إلا إذا كانت مرتبطة بتراب الأردن وتضحيات الأردنيين وطموحاتهم، وهو الذي يقيس ثروته الحقيقية بمقدار ما يقدم من عطاء وتضحية وانجاز وليس بمقدار ما يملك من مال أو جاه، وهو الذي يستمد القوة والثقة بالمستقبل من إيمانه بالله عز وجل ومن إعتزازه بتاريخه وتراثه وقيمه الأصيلة، الأردني هو الذي لا يقبل بالفشل بل يتحدى المستحيل وينتصر عليه"، ولتضع هذه الكلمات تعريفاً يشمل كل مخلص من أبناء الوطن يسمو بمصلحة الوطن فوق كل إعتبار، وهو ما رأيناه كمثال حي من أبناء عشيرتي الفايز والشوابكة الكرام من أعمدة هذا الوطن ممن عرفوا هذه المعاني وترسخت بداخلهم منذ أول يوم لتأسيس المملكة، فرأيناهم يضعون سريعاً حداً لأي خلافات ينتظر أعداء الوطن استغلالها للعبث بالوطن ومقدراته وتدميره على رأس من فيه، خصوصاً وهو يعيش اليوم وسط الحرائق المشتعلة من حوله في كل مكان.
ولذلك كان الأردن وسيبقى بقيادته الهاشمية وهمة أبنائه على الدوام باذن الله عنواناً للعزة والصمود والتحدي لكل بناته وأبنائه، ومدافعاً صلباً عن الحقوق العربية إلى جانب كل أشقائه العرب في قضاياهم العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والقدس الشريف.
ونحتاج للحفاظ على ذلك أن نستذكر أن الوطن بحاجة تضافر جهود كافة أفراد الشعب بكل أطيافه وألوانه، وبأن نكون جميعاً جبناً إلى جنباً أنا وأنت لرفعة هذا الوطن وتشريفه في كافة المحافل وليس إما أنا أو أنت، فهذا الوطن لنا أنا وأنت وبحاجتنا جميعاً أنا وأنت، جنباً إلى جنب ويداً بيد وقلباً بجوار قلب لاعمار بلدنا والحفاظ على أهله ومقدراته ورسم الابتسامة على وجه كل من فيه ومن ينتمي إليه ماوسعنا ذلك باذن الله.
كل عام وربوع وطننا وأهله ينعمون بأمنهم وأمانهم وإستقرارهم، تظللهم فيه معاني الرحمة والمحبة والسلام والارتقاء بأساساته لنحفظه بماء أعيننا وخلاصة قلوبنا دائماً وليبقى قلعة شامخة للعز والكرامة والفخر لكل من عاش فوق ترابه أو أخلص الانتماء إليه أينما تواجد في هذا العالم.