الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية بين ميسي ورونالدو.. رودري يختار الأفضل في التاريخ الأمن العام ينفذ تمريناً تعبوياً شاملاً لتعزيز الجاهزية والتنسيق في مواجهة الطوارئ على خطى بيكهام.. أول لاعب كرة لا يزال في الملعب يقتحم عالم الاستثمار في الدوري الأمريكي "غولاني".. أشرس ألوية الاحتلال تسقط في "كماشة" مقاومي غزة ولبنان كلية الـ تمريض في جامعة جرش تنظم يوم عمل تطوعي في محافظة جرش وزير العمل: إعلان الحد الأدنى للأجور خلال 10 أيام مادبا .. ازمة سير خانقة بسبب اعتصام لأصحاب المركبات العمومية الاردن يدين بأشد العبارات جريمة قصف "إسرائيل" حياً سكنياً في بيت لاهيا 51647 طالباً وافداً في مؤسسات التعليم العالي الأردنية ارتفاع أسعار الذهب في السوق المحلية نصف دينار وفاتان و 3 اصابات بحادث سير بين 4 مركبات أسفل جسر أبو علندا - فيديو الحكومة تقرُّ مشروع قانون موازنة عامَّة للعام 2025 تتسم بالواقعية وتحفيز النمو "الصناعة والتجارة” تطرح عطاء لشراء قمح وشعير ترشيح العرموطي لرئاسة النواب خدمّ الصفدي - وتحالفات الاحزاب الوسطية سحبت البساط من الاسلاميين

القسم : مقالات مختاره
الهجرة النبوية... دروس اجتماعية وعبر
نشر بتاريخ : 10/1/2016 8:00:28 PM
الأستاذ الدكتور وليد العلي




بقلم: الأستاذ الدكتور وليد العلي

من دروس الهجرة أنه لن يجتني أحدٌ بالمُجتمع ثمرة الإصلاح إلا إذا غرس البذرة بأنسب المُناخ والمُراح

المُجتمع تُحفظ بالاجتماع أركانَه والاجتماع لا يكون إلا بالسَّمع والطَّاعة والنِّزاع إنَّما يكون بسبب مُفارقة الجماعة

المرء أحوج ما يكون إلى حُسن اختيار من يُعينه على حمل الأمانة ولن يجد أولى بحملها من أصحاب الخُلُق والدِّين فهم نعمت البطانة

غنى النَّفس إنَّما هُو في الاستغناء عمَّا في أيدي النَّاس وأفقر النَّاس من سوَّلت لهم أنفسهم النُّهبة والاختلاس

لو أراد المفسد أن يَضُرَّ المُجتمع بيديه فلن يَضُرَّه إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليه

عُدَّة كُلِّ مُجتمعٍ إنَّما هي في شبابه الصَّاعد فإذا لم يُحصَّن بالإيمان والهُدى أورثوا مُجتمعهم الفساد والعصيان والرَّدى

النِّساء شقائق الرِّجال وقد سطَّرن بكفاحهنَّ أروع الأمثال ولا تعارض بين عمل المرأة والنَّأي بها عن الابتذاللم تكن الهجرة أمراً سهلاً ميسوراً، ولم تكن ترك بلد ما إلى بلد ظروفه أفضل، وأمواله أكثر، الهجرة كانت تعني ترك الديار وترك الذكريات، كانت ذهاباً لحياة جديدة، لا شك أنها ستكون شاقة، وشاقة جداً.

الهجرة لم تكن هروباً ولا فراراً، بل كانت استعدادا ليوم عظيم، أو لأيام عظيمة؛ لذلك عظّم الله جدّاً من أجر المهاجرين.

إنَّ هجرةُ أتقى البريَّة؛ ومسيرة أزكى البشريَّة؛ عليه أفضلُ صلاةٍ وسلامٍ وتحيَّة: تشتمل على جُملةٍ من الدُّروس والعبر، وهي ذكرى لمن ادَّكر وعبرةٌ لمن اعتبر.

وقد انتخبت من بعض روايات الهجرة: دُروساً اجتماعيَّة مُستفادة قوامها عشرة:

الدَّرس الأوَّل: أنَّه قد أحاطتْ بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المصائبُ والأخطارُ؛ كما قد أَحاطتْ بالعنقِ القلادةُ وكما أحاط بالمعصمِ السِّوارُ، فازدادت قُريشٌ على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إيذاء وحَنَقَاً وغَيْظَاً وعنَاداً وتَكْذيباً، وعلى المُستضعفين من أصحابه رضي الله عنهم تضييقاً وجُرأة وتسفيهاً وتعذيباً، هذا ونبيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما فَتَرَ عن دعوةِ قومِهِ ليلاً ولا نهاراً، وما ضنَّ عن نُصحِهم سِرَّاً ولا جِهاراً، فلم يَزِدْ قُريشاً دعاءُ نبيِّها إلا فراراً، ولم يُفِدْها نُصحُه إلا عُتُوًّا واسْتِكْبَاراً، فقام النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: بموقفِ الحجِّ ليعرضَ نفسَه على القبائل والأقوام، مُحتملاً ما يَنالُه من أذى السُّفهاءِ والأراذل والطَّغَام، فيقول: (هل مِنْ رجلٍ يحملُني إلى قومِه؟ فإنَّ قُريشاً قد منعوني أن أُبلِّغَ كلامَ ربِّي).

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فإنَّه لن يجتني أحدٌ بالمُجتمع ثمرة الإصلاح: إلا إذا غرس البذرة بأنسب المُناخ والمُراح، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.

السمع والطاعة

الدَّرس الثَّاني: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مكث بمكَّةَ عشرَ سِنينَ يتَّبِعُ النَّاسَ في منازلِهم، بعُكاظَ ومَجَنَّةٍ، وفي المواسمِ بمِنَى، يقول: من يُؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أُبلِّغَ رسالةَ ربِّي، وله الجنَّةُ. حتَّى إنَّ الرَّجلَ ليخرجُ مِنَ اليمنِ أو مِنْ مِصرَ فيأتيه قومُهُ فيقولونَ: احذرْ غُلامَ قريشٍ، لا يَفْتِنْكَ، ويمشي صلَّى الله عليه وسلَّم بين رجالِهم وهم يُشيرون إليه بالأصابعِ. حتَّى بعث اللهُ له من يثربَ من يُؤويه ويُصدِّقه، فيخرجُ الرَّجلُ منهم فيُؤمنُ به، ويُقْرِئُه القُرآنَ، فينقلبُ إلى أهلِهِ فيُسلمونَ بإسلامِهِ، حتَّى لم يبقَ دارٌ من دُورِ الأنصارِ إلا وفيها رهطٌ من المسلمينَ يُظهرونَ الإسلامَ. ثُمَّ ائْتَمَروا جميعاً، فقالوا: حتَّى متى نَتْرُكُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُطْرَدُ في جبالِ مكَّةَ ويُخافُ؟ فرحلَ إليهِ منهم سبعون رجلاً حتَّى قدموا عليه في الموسمِ، فواعدوه شِعَبَ العَقَبَةِ، فاجتمعوا عنده من رجلٍ ورجليْنِ حتَّى توافوا، فقالوا: يا رسولَ الله، علامَ نُبايِعُكَ؟ قال: (تُبايِعونني على السَّمعِ والطَّاعةِ، في النَّشاط والكَسَل، والنَّفقةِ في العُسر واليُسر، وعلى الأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المُنكرِ، وأن تقولوا في اللهِ لا تخافونَ في اللهِ لومةَ لائمٍ، وعلى أن تنصروني، فتمنعوني إذا قدمتُ عليكم مِمَّا تمنعونَ منه أنفسَكُم وأزواجَكُم وأبناءَكُم، ولكم الجنةُ). فقاموا إليه فبايعوه.

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، لأنَّ المُجتمع إنَّما تُحفظ بيضته بالاجتماع، وأنَّ أركانَه ستُزلزل وبُنيانَه سيُقوَّض بالنِّزاع، والاجتماع لا يكون إلا بالسَّمع والطَّاعة، والنِّزاع إنَّما يكون بسبب مُفارقة الجماعة، قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

حمل الأمانة

الدَّرس الثَّالث: أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم رأى بمكَّةَ دارَ الهِجْرَةِ، فهاجرَ مَنْ هاجرَ قِبَلَ المدينةِ، ورجعَ عامَّةُ مَنْ كانَ هاجرَ بأرضِ الحبشةِ إلى المدينةِ، وتَجهَّزَ أبوبكرٍ رضي الله عنه قِبَلَ المدينةِ، فقالَ له رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (على رِسْلِكَ، فإنِّي أرجو أن يُؤْذَنَ لي). فقال أبوبكرٍ: وهل تَرجو ذلكَ بأبي أنتَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (نعم). فحبسَ أبوبكرٍ نَفْسَهُ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لِيَصْحَبَهُ.

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فالمرء أحوج ما يكون إلى حُسن اختيار من يُعينه على حمل الأمانة، ولن يجد أولى بحملها من أصحاب الخُلُق والدِّين فهم نعمت البطانة، قال الله تعالى: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾.

غنى النفس

الدَّرس الرَّابع: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم جاء بيت أبي بكرٍ الصَّدِّيق رضي الله عنه مُتَقَنِّعاً في ساعةٍ لم يكن يأتي أبا بكرٍ فيها، فقال له أبوبكرٍ: فداءً لكَ أبي وأمي، واللهِ ما جاء بكَ في هذه الساعةِ إلا أمرٌ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (فإنِّي قدْ أُذِنَ لي بالخُروجِ). فقال أبوبكرٍ: الصَّحابةَ بأبي أنتَ يا رسولَ الله؟ فقال له رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (نَعَمْ). فقال أبوبكرٍ: فَخُذْ بأبي أنتَ يا رسولَ اللهِ إِحْدَى راحلتيَّ هَاتَيْنِ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (بالثَّمَنِ).

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فغنى النَّفس إنَّما هُو في الاستغناء عمَّا في أيدي النَّاس، وأفقر النَّاس من سوَّلت لهم أنفسهم النُّهبة والاختلاس، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.

إن الله معنا

الدَّرس الخامس: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكرٍ الصَّدِّيقَ رضي الله عنه بينما هُما في الغار؛ إذ رفعَ أبوبكرٍ رأسَهُ فإذا بأقدامِ القَوْمِ، فقال: يا نَبِيَّ اللهِ؛ لو أنَّ بعضَهم طَأْطَأْ بَصَرَهُ رآنا، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (ما ظنُّك يا أبابكرٍ باثنيْنِ؛ اللهُ ثالثُهما؟).

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فالمُفسد لو أراد أن يَضُرَّ المُجتمع بيديه؛ فلن يَضُرَّه إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليه، قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

عدة المجتمع

الدَّرس السَّادس: أنَّ عبدَاللهِ بن أبي بكرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنهما كان يبيتُ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكرٍ؛ وهو غلامٌ شابٌ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فيُدْلِجُ من عِنْدِهِما بِسَحَرٍ، فيُصْبِحُ مع قريشٍ بمكَّةَ كبَائِتٍ، فلا يسمعُ أمراً يُكتادُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحبُه به إلا وَعَاهُ، حتى يَأْتِيَهُما بخبرِ ذلك حين يختلطُ الظَّلامُ.

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فعِدَّة كُلِّ مُجتمعٍ إنَّما هي في شبابه الصَّاعد، فهُم بذرة اليوم المُشرق وثمرة الغد الواعد، فإذا لم يُحصَّن الشَّباب بالإيمان والهُدى: أورثوا مُجتمعهم الفساد والعصيان والرَّدى، قال الله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾.

شقائق الرجال

الدَّرس السَّابع: أنَّ أهلَ بيتِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهم كانوا قد جهَّزوا رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحبَه أحسن الجِهَازِ، وصَنَعُوا لهما سُفْرَةً في جِرَابٍ، فقَطَعَتْ أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضي الله عنها قطعةً من نِطَاقِها، فرَبَطَتْ بِهِ على فَمِ الجِرَابِ، فبِذَلكَ سُمِّيَتْ: ذاتُ النِّطَاقَيْنِ.

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فالنِّساء في المُجتمع شقائق الرِّجال، وقد سطَّرن بكفاحهنَّ أروع الأمثال، ولا تعارض بين عمل المرأة والنَّأي بها عن الابتذال، وتجنيبها لما لا يليق بها والبُعد عن اختلاطها بالرِّجال، قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

محن ومنح

الدَّرس الثَّامن: أنَّ رُسُلَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ جعَلُوا في رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم دِيَةً لِمَنْ قَتَلَهُ أو أَسَرَهُ، فبينما سُراقةُ بنُ مالكٍ بنِ جُعْشُمٍ جالساً في مجلسٍ مِنْ مجالسِ قومه: إذ أقبلَ رجلٌ حتَّى قام عليهم وهُم جلوسٌ، فقال: يا سُراقةَ: إنِّي قَدْ رأيتُ أسودةً بالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحمداً وأصحابَه. فقال سُراقةُ: فعرفتُ أنَّهم هُم، فقلتُ لهُ: إنَّهُم ليسوا بِهُم، ولكنَّكَ رأيتَ فُلاناً وفُلاناً، انطلقوا بأَعْيُنِنَا. ثُمَّ أتى سُراقةُ فَرَسَه فرَكِبَهَا، ثُمَّ انطلق حتَّى دنا من رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِهِ، فعثرت بهِ فرسُهُ فخَرَّ عنها، قال سُراقةُ: فقُمتُ فأهويتُ يَدِي إلى كِنَانَتِي، فاستخرجتُ منها الأزلامَ فاسْتَقْسَمْتُ بها: أضرُّهُم أم لا؟ فخرج الذي أَكْرَهُ، فركبتُ فَرَسِي وعصيتُ الأزلامَ، حتَّى إذا سمعتُ قراءَةَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو لا يَلْتَفِتْ، وأبوبكرٍ يُكْثِرُ الالتفاتَ، فالتفتَ أبوبكرٍ فإذا هو بفارسٍ قد لَحِقَهُم، فقال: يا رسولَ اللهِ، هذا فارسٌ قد لَحِقَ بنا، فالتفتَ نبيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ: (اللهُمَّ اصْرَعْهُ). فصَرَعَهُ الفَرَسُ، فقال سُراقةُ: يا نبيَّ اللهِ، مُرْنِي بِما شِئْتَ. فقال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (فَقِفْ مَكَانَكَ، لا تَتْرُكَنَّ أحداً يَلْحَقْ بِنَا). فكان سُراقةُ أولَ النَّهارِ جاهداً على نبيِّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان آخرَ النَّهارِ مَسْلَحَةً لَهُ.

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فالمُجتمع قد تنقلب بيومٍ محنه إلى منحٍ وقد تتبدَّل بليلٍ آلامه إلى آمال، ولكن شتَّان بين من يُنظر إليها بعين التَّشاؤم ومن ينظر إليها بعين الفال، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.

سبيل الخير

الدَّرس التَّاسع: أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَقْبَلَ إلى المدينةِ وهو مُرْدِفٌ أبا بكرٍ، وأبوبكرٍ شيخٌ يُعْرَفُ، ونبيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم شابٌ لا يُعْرَفُ، فيَلْقَى الرَّجلُ أبا بكرٍ فيقولُ: يا أبا بكرٍ، مَنْ هذا الرَّجلُ الذي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فيقولُ: هذا رجلٌ يَهدِيني السَّبيلَ، فيَحْسَبُ الحَاسِبُ أنَّهُ إِنَمَا يَعْنَي الطَّريقَ، وأبوبكرٍ إنَّما يَعْنِي سبيلَ الخَيْرِ.

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فالكذب مُحرَّمٌ ولا مندوحة له في حالٍ من الأحوال، والمُضطرُّ إذا أُلجئ فله مندوحةٌ في معاريض الأقوال، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ﴾.

المودة والرحمة

الدَّرس العاشر: أنَّ المُسلمينَ سمعوا بالمدينةِ بِمَخْرَجِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ مكَّةَ، فكانوا يَغْدُونَ كُلَّ غَداةٍ إلى الحَرَّةِ، فيَنْتَظِرونَه حتَّى يَرُدَّهُم حَرُّ الظَّهيرةِ، فتلقَّوْا رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بظُهْرِ الحرَّةِ، فعَدَلَ بِهِمْ ذاتَ اليمينِ، حتى نَزَلَ بِهِمْ في بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، وذلك يومُ الاثنينِ مِنْ شَهْرِ ربيعٍ الأوَّلِ، فقامَ أبوبكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه للنَّاسِ، وجَلَسَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم صَامِتاً، فَطِفَقَ مَنْ جاءَ من الأنصارِ مِمَّنْ لم يَرَ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحَيِّي أبا بكرٍ، حتَّى أَصَابَتِ الشَّمسُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأقبلَ أبوبكرٍ حتَّى ظلَّلَ عليه برِدَائِه، فعَرَفَ النَّاسُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عِنْدَ ذلكَ.

وهذا الدَّرس من دُروس هذه الهجرة النَّبويَّة؛ يُمكن الاستفادة منه في القضايا الاجتماعيَّة، فالمُجتمع إنَّما تُنتزع من قُلوب أفراده انتزاعاً المودَّة والرَّحمة والمحبَّة والأُلفة: إذا ضُرب بينهم بسُورٍ له بابٌ باطنه فيه المُداراة وظاهره من قبله الكُلفة، قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾.

فأرسى النَّبيُّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قواعد التودُّد والتَّألُّف، وكان من أبعد النَّاس في شأنه كُلِّه عن التَّقعُّر والتَّكلُّف.

عن الراي الكويتية

motilium tabletas motilium posologia motilium 10
جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023