بقلم: د. اسعد عبد الرحمن
لا يكاد يمر يوم دون لمس تجليات العنصرية الإسرائيلية ضد فلسطينيي 48، لن يكون آخرها مصادقة اللجنة الخاصة بإعداد قانون القومية، على نص القانون تمهيدا للتصويت عليه في القراءة الأولى في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وهو القانون الخاص بإنشاء بلدات يهودية فقط والهادف إلى تمكين المحكمة الإسرائيلية العليا من تفضيل الطابع اليهودي للدولة على القيم الديمقراطية عندما يكون هناك تناقض بينهما. وهو أيضا القانون الذي ألغى اللغة العربية كلغة رسمية. وسريعا، وبعد الإعلان عن المصادقة، ألغى المجلس المحلي في بلدة "كفار هفراديم" اليهودية في الجليل الأعلى مناقصة لتسويق القسم الثالث من قسائم البناء في البلدة، لأن أغلبية المتقدمين لها من العرب.
مؤخرا، أظهرت معطيات "مفوضية خدمات الدولة" عن تجلي العنصرية في وزارات "الدولة" كلها، فوزارات الهجرة، والقدس والتراث، والشؤون الاستراتيجية لا تشغل عربيا واحدا. لكن اللافت أن وزارة الأديان التي يفترض أن تكون مختلفة كونها تعالج شؤون إسلامية ومسيحية علاوة على الشؤون اليهودية أيضا لا تشغل عربيا واحدا. وهكذا في معظم الوزارات فإن نسبة العاملين العرب هامشية جدا: "تطوير النقب والجليل يعمل موظف عربي واحد من بين 56 موظفا رغم أن أغلبية السكان في هاتين المنطقتين عرب، المساواة الاجتماعية 8 من 96 موظفا، التربية 177 عربيا من بين 2010 موظفا...الخ".
ومن ضمن تجليات العنصرية في إسرائيل، منع ما يسمى "لجنة الأخلاق البرلمانية" في الكنيست النائب العربي يوسف جبارين (القائمة المشتركة) من السفر إلى الخارج لتقديم محاضرات بدعوة من المنظمة الأمريكية "الصوت اليهودي من أجل السلام" الداعية لمقاطعة إسرائيل بسبب الاحتلال.
كذلك، في 21 من آذار/ مارس، الذي يصادف اليوم العالمي لمناهضة العنصرية نشر "الائتلاف لمناهضة العنصرية" نتائج استطلاع جديد قام به معهد الأبحاث "رافي سميث"، بالشراكة مع صندوق "فريدريخ ابيرت"، جاء فيه: "أكثر من (90%) من المجتمع في إسرائيل يعتقد أن المؤسسات المختلفة في إسرائيل لا تقوم بدورها بشكل كاف (46%) أو لا تقوم بأي شيء (45%) لمناهضة العنصرية في إسرائيل، بل إن (47%) يعتقدون أن المجتمع في إسرائيل عنصري". ووفق نتائج الاستطلاع: "الإحساس العام أن إسرائيل تتجه نحو مأسسة العنصرية. ونسبة العنصرية الأكبر موجهة ضد العرب وطالبي اللجوء في إسرائيل (76%)".
في هذا السياق، قال المفكر اليهودي (دمتري شومسكي): "مشروع الاستيطان القومي المسيحاني، الذي يرتكز على الفكرة العنصرية بشأن التفوق المقدس والثابت لحقوق اليهود في المنطقة بين النهر والبحر، يعتبر المصدر الأول لتشجيع الهيمنة القومية – العرقية المناوئة للعرب داخل دولة إسرائيل. كل شرعنة لموقع استيطاني غير قانوني في الضفة الغربية – الذي كما هو معروف يقام دائما حسب أمر الهي – تعطي بصورة غير مباشرة دعم لتوجهات السلب والقمع لمجمل الحقوق المدنية للعرب الفلسطينيين داخل إسرائيل، وهي توجهات تتغذى في الاساس على المنطق المشوه للعنصرية التلمودية والتوراتية – الدينية، التي تعتبر ابناء البلاد العرب الذين يعيشون في الفضاء الشرق اوسطي منذ الأزل كمهاجرين يوجدون هنا بفضل سخاء السيد اليهودي". وقد جاءت تصريحات المسؤول عن أرشيف "الدولة الإسرائيلية" (يعقوب لزوبيك) في ذات السياق، حيث أكد أن "إسرائيل تتستر على معلومات أرشيفية بطريقة غير متوقعة من دولة ديمقراطية، لا يمكن التذرع بحجة الأمن القومي من أجل التستر على إخفاقات الماضي، ولا سيما في كل ما يتعلق بارتكاب جرائم حرب وتعامل الدولة مع المواطنين العرب". وقال (لزوبيك) في تقرير في مناسبة انتهاء ولايته في هذا المنصب، أن "إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في أماكن متعددة، وأن جهاز الأمن العام "الشاباك" تدخل ويتدخل في جهاز التعليم العربي، وأن إسرائيل تعاملت مع المواطنين العرب في الداخل ومع مواطنين آخرين بطريقة لا تتلاءم مع دولة ديمقراطية".
من جانبه، يقول الكاتب اليساري (جدعون ليفي) متهكما على الوضع العام في إسرائيل: "هياج حكم اليمين يؤدي إلى المزيد من مسرحيات اللامعقول. الجيش الإسرائيلي هو "البالغ والمسؤول"، الشاباك هو "عامل يؤدي إلى الاعتدال" والشرطة هي عزيزة اليسار – وسط. باقة ورود للمفتش العام، شرطة هي ضحية تفطر القلب. هذا مضحك مثل أن ترى في رئيس الاركان غادي أيزينكوت نموذجا للتنوير، وفي الجيش الإسرائيلي نموذجا للأخلاق". ويضيف: "شرطة إسرائيل هي عنيفة وعنصرية. حاولوا تقديم شكوى باسم فلسطيني ضد مستوطن وستقولون اذا لم تكن هذه شرطة ابرتهايد فما هو الابرتهايد؟".
تجليات مستوى العنصرية في إسرائيل مؤشر خطير، فالمزاج الشعبي الإسرائيلي بات مرتبطا بقضايا عنصرية ضد فلسطينيي 48، تغرس يوميا الكره والعدائية لهم. والأحزاب اليمينية المتطرفة الحاكمة باتت تدرك أنها كلما استهدفت فلسطينيي 48 فإنها تزيد شعبيتها، وبالتالي فإن القوانين والأفعال العنصرية كلها تخدم السياسة الإسرائيلية في ربط مزاج الرأي العام بالسياسية الإسرائيلية الرسمية المتطرفة القائمة.