بقلم :- بقلم راسم عبيدات
كانت معركة الكرامة ... بداية لإستعادة كرامة عربية سلبت بفعل العدوان والإحتلال الصهيوني، وكذلك كانت تعبيراً عن إمتلاك الفلسطينيون لقرارهم السياسي وإرادتهم المستقلة، بعد ان كان الفلسطينيون يراهنون على أن تحرير فلسطين سيأتي على يد الجيوش العربية، ولتكشف هزيمة حرب حزيران عام 1967، عن حجم المأساة، حيث إحتل ما تبقى من فلسطين، واحتلت أراضي ثلاث دول عربية اخرى...ومعركة الكرامة وضعت حداً لغطرسة الإحتلال والتصور الذي غرسه الحكام المهزومين في ذاكرة ووعي شعبنا وامتنا عن جيش الإحتلال بانه الجيش الذي لا يهزم ولا يقهر، ولذلك ما تحقق من نصر في معركة الكرامة على يد ثورتنا ومقاومتنا الفلسطينية بالشراكة مع الجيش الأردني، حيث توحدت المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني في الميدان، وأستطاعوا بوحدتهم، ان يلحقوا هزيمة نكراء بحق جيش الاحتلال، معركة أشعرت العرب والفلسطينيين بعزتهم وكرامتهم، معركة جعلت عشرات الألآف من أبناء شعبنا في مخيمات اللجوء يتدفقون على مكاتب التنظيمات الفلسطينية، لكي يلتحقوا بالثورة الفلسطينية بمختلف فصائلها مؤمنين بأن خيار المقاومة والنضال سيمكنهم من إستعادة حقوقهم وتحرير أرضهم المغتصبة.....ولكن من بعد معركة الكرامة جرى التأمر على المقاومة الفلسطينية، ناهيك عن الأخطاء التي إرتكبت من قبل الفصائل الفلسطينية، كلها قادت الى ذبح المقاومة الفلسطينية في الأردن، واخرجت الثورة من أهم قاعدة إرتكاز أقامتها في الأردن، والتي تشكل لها أطول حدود إشتباك مع فلسطين المحتلة، وبخروج الثورة الفلسطينية الى لبنان، وإستقرارها هناك، كان واضحاً بأن هناك من يخشى الثورة والمقاومة الفلسطينية عربياً اكثر من الإحتلال نفسه، حيث كانت الحرب الأهلية اللبنانية في 75 – 75 والتي زجت فيها المقاومة الفلسطينية، لكي يجري حرفها عن أهدافها، ومن ثم كان العدوان الإسرائيلي على المقاومتين الفلسطينية واللبنانية حزيران 1982، وليتم إخراجها من لبنان الى خارج حدود تماسها مع فلسطين.
منذ تصفية الوجود العسكري للثورة الفلسطينية وحتى اندلاع الإنتفاضة الأولى – إنتفاضة الحجر في 9/12/1987، كانت القضية الفلسطينية والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية تتعرض للتهميش ومحاولات الشطب، ولتأتي إنتفاضة الحجر، لكي تعيد الإعتبار للقضية الفلسطينية، مدشنة مرحلة جديدة من المقاومة الفلسطينية، لم تكن قطعاً مع المراحل السابقة، ولكن هنا كانت المقاومة شعبية وجماهيرية، وغلب عليها طابع العنف الشعبي والمقاومة السلمية، وكادت الإنتفاضة الشعبية أن تحقق جزء من أهدافها بنقل شعار الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية الى الإمكانية الواقعية، ولكن الإستثمار السياسي المتسرع لنتائج هذه الملحمة البطولية في سفر النضال الفلسطيني، قادنا الى كارثة أوسلو، حيث اعتبرت اتفاقية أوسلو الكارثة وما نتج عنها من قيام السلطة الفلسطينية، بمثابة النصر الثاني لدولة الاحتلال بلغة ثعلب السياسة الإسرائيلية المغدور شمعون بيرس، فأوسلو تلك الإتفاقية الإنتقالية التي اعتبرها البعض الفلسطيني، انها بمثابة محطة إنتقالية نحو الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران/1967 وعاصمتها القدس، جاءت الوقائع والحقائق لتثبت بأن أوسلو، كانت خطيئة كبرى، فهي قسمت الأرض الفلسطينية الى معازل مناطق (أي وبي وسي)، أغلبها تخضع للسيادة والسيطرة الإسرائيلية المباشرة امنياً ومدنياً، ناهيك عن تفكيك النسيجين الوطني والإجتماعي الفلسطيني.
من بعد الإنتفاضة الثانية في 28 أيلول /2000 ، وحتى اليوم، وجذوة وشعلة النضال والمقاومة لم تنطفىء ولم يرفع شعبنا الفلسطيني راية الإستسلام، ولكن كنا نرى بأننا أصبحنا أبعد من تحقيق شعار الدولة الفلسطيني على أرض الواقع، فنحن دخلنا في نفق مظلم، ليس فقط بفعل قوة وضخامة حجم العدوان والمؤامرة التي تستهدف شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني، بحيث بتنا سلطة بلا سلطة، كما قال الرئيس عباس، بل وصلت تناقضاتنا وصراعاتنا الداخلية، حد الإقتتال والصراع الداخلي الذي قاد الى إنفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وبات الوضع الداخلي الفلسطيني أكثر ضعفاً وهشاشة، وأصبح همنا الإقتتال على سلطة بلا دسم، وتقديم المصالح الخاصة والفئوية والحزبية على حساب المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني، ولم نستطع لا إستعادة وحدتنا ولا إنهاء إنقسامنا، ولا استراتيجية ورؤيا موحدتين تجمعنا، حتى بتنا نختلف على تعريف مشروعنا الوطني، ولا نتفق على برنامج سياسي موحد، وغدت ساحتنا الفلسطينية عرضة للإختراقات والتدخلات العربية والإقليمية، ودخلنا في لعبة المحاور والأجندات، والتي كانت تعمق من إنقسامنا وخلافاتنا، في ظل نظام عربي رسمي، بات من الواضح انه ينتقل جزء كبير منه الى التنسيق والتعاون والتحالف مع المحتل وشرعنة وعلنية علاقاته التطبيعية معه، وفي ذروة الهجوم والعدوان على شعبنا، كانت الإدارة الأمريكية تنتقل من مرحلة الإنحياز التاريخي لجانب دولة الاحتلال الى مرحلة المشاركة في العدوان المباشر على شعبنا، بهدف تصفية القضية الفلسطينية وشطب مرتكزات المشروع الوطني القدس بإعلانها عاصمة لدولة الاحتلال وحق العودة بمحاولة تصفية وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا" وشطب توريث اللاجىء، وتجفيف المصادر المالية لتلك الوكالة، ضمن ما يسمى بصفقة القرن ، والتي لم تكن سوى صفعة عصر كبرى.
منذ معركة الكرامة وما تحقق فيها من نصر فلسطيني وعرب حطمنا فيه اكذوبة جيش الاحتلال الذي لا يهزم ولا يقهر واستعدنا ثقة بقدراتنا على الحاق الهزيمة بهذا الجيش وهذا العدو المتغطرس، لم نستطع ان نراكم على ذلك الإنتصار، ونتقدم نحو تحقيق أهدافنا في الحرية والإستقلال، بل ما نشهده الآن من هجوم كبير وغير مسبوق على شعبنا وقضيتنا وحقوقنا وتشارك فيه اطراف متعددة، تتقدمها أمريكا وقوى الغرب الإستعماري، وللأسف دول عربية فاعلة تمارس ضغوطاً كبيرة على القيادة الفلسطينية، للقبول بالمشروع الأمري صهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، هذا الهجوم والعدوان الشرس علينا كفلسطينيين بدلاً من أن يدفعنا نحو الوحدة وإنهاء الإنقسام، نجد قياداتنا تستعر حدة خلافاتها، ومناكفاتها والتحريض والتحريض المضاد والتراشق الإعلامي فيما بينها، بما يفتح المجال ويعبد الطريق امام أمريكا والقوى الدولية والإقليمية، للسير في حل يصفي قضيتنا ومشروعنا الوطني، يستند الى إقامة دويلة في غزة تتمدد نحو سيناء، ويكون أمنها الخارجي بيد مصر، ويضم اليها ما يزيد عن حاجة الأمن الإسرائيلي من أراض في الضفة الغربية، ويكون امنها الخارجي بيد إسرائيل والأردن.
نحن في هذا الوقت بالذات أحوج الى معركة كرامة أخرى، كرامة تصلب وتقوي جبهتنا الداخلية وتحصنها امام المشروع المستهدف الشطب والتصفية والوجود، وهذا لن يتأتي بدون الشروع الجدي في إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية، ورسم برنامج نضالي مشترك يقوم على الصمود والمقاومة، والمشاركة الجدية في القرار، وفتح القرار والخيار الفلسطيني على أوسع وأرحب فضائين عربي وإسلامي وإقليمي ودولي، وبما يشكل حاضنة وحماية للقرار والمشروع الوطني الفلسطيني من مخاطر التبديد والتصفية والسير نحو المجهول.