القسم : مقالات مختاره
المعارضة لم تعد عمل الأحزاب
نشر بتاريخ : 10/31/2017 6:06:08 PM
راتب عبابنه

 

بقلم: راتب عبابنة
 
هناك خلط بين حب الوطن وهو شيء فطري يكبر مع الإنسان وبين المعارضة بمفهومها السياسي التي يفترض أن تكون عونا للحكومة للتحقق من جدوى وسلامة قراراتها وإجراءاتها التي تمس الوطن والمواطن.
 
هناك معارضة لا تترك للحوار هامشا ولا تقبل بما تأتي به الأنظمة الحاكمة وحكوماتها المعينة طبعا خاصة بالحالة العربية. فلو عدنا بالذاكرة للوراء لاتضحت الصورة وبانت نمطية المعارضة التي تمثلت بوجود أحزاب سرية ممنوعة من مزاولة فعالياتها ونشر فكرها إلا بما تيسر لها من فرص محدودة.
 
تعرض الأردن بنظامه الملكي لموجة معارضة شرسة من حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي وحزب التحرير وحركة القوميين العرب. وجميعها ترفض الأنظمة الملكية وكل ما تتمخض عنه. وهي بالحقيقة كانت لا تثق بالأنظمة الحاكمة وتحاربها وتعمل ضدها.
 
وكانت هذه الأحزاب بعقيدتها واعتقادها تتماهى مع القواعد الشعبية وتقف بصفها على افتراض أن الأنظمة الحاكمة لا تريد الخير للشعوب. وهذا لا يعني أنها خارجة عن مصالح الوطن كما تصورها الأنظمة الحاكمة.
 
وهناك معارضة من نوع آخر لا ترفض النظام بقدر ما ترفض سياسته في الكثير من الأحيان، بل كانت درعا واقيا يتصدى للأحزاب الرافضة تماما لطبيعة نظام الحكم الذي وصفته على الدوام بالرجعي على اعتبار أنها أحزاب تقدمية.
 
فكان يتم وصف تلك الأحزاب باللادينية أو ببعدها عن الدين. لذا برزت حاجة الحكم لجماعة أو حزب أو حركة تتخذ من الدين قاعدة انطلاق لها لتتولى مناطحة هذه الأحزاب، فكانت حركة الإخوان المسلمين، إذ كانت تتشكل وتنمو وتكبر أذرعتها ويكثر مريدوها وأنصارها على مبدأ "مكره أخاك لا بطل".
 
كبرت وانتشرت الحركة الإسلامية كورقة رابحة يسمح لها باللعب عند الحاجة. أما وقد انتهى وجود تلك الأحزاب ودورها بعد ما حدث بالعراق وما يحدث بسوريا وبعد رحيل عبدالناصر وتفتت الشيوعية ومحاصرة السلفيين والتحريريين من خلال الحرب على "داعش"، أصبحت الحاجة لحركة إسلامية ضئيلة جدا، بل صار ينظر لها أنها عبء كبير ومصدر إزعاج وإعاقة أكثر منها معارضة تحت الطلب.
 
وكان انقسام الحركة الإسلامية مرخص وغير مرخص بالإضافة للإنشقاقات من قبل الرموز والقياديين قد أضعف الحركة كثيرا لدرجة أننا لا نسمع من المرخص أي رأي يدل على وجودهم وبالوقت نفسه لا نكاد نسمع من غير المرخص سوى بعض التذكير بوجودهم بين الحين والآخر، لكن ليس بنفس الحدة والهجومية التي اعتدنا عليها قبل الإنقسام.
 
وهنا لا نغفل عن تجذر فكر الحركة بين الكثير من شرائح المجتمع. فهي حركة قديمة جدا جمعت الكثير حولها وحركة ثرية ولها استثماراتها وحركة منظمة وذات مرجعية عالمية.
 
والحركة الإسلامية معارضة للسياسات والإجراءات أكثر منها معارضة لنظام الحكم حيث النظام من رعاها وسمح لها بالتشكل بينما هي أنابت عنه بالتصدي للأحزاب التقدمية والقومية. وهذه الأحزاب تنظر للموالين للنظام أنهم يستحقون التصنيف مع النظام والتخلص منهم من الأولويات.
 
لذا علينا التفريق بين معارضة السياسات والنهج وبين رفض نظام الحكم وبين القبول بنظام الحكم بما فيه السياسات والنهج وبين رفض النظام والسياسات والنهج. وما المعارضة التي نشهدها إلا معارضة للسياسات والنهج.
 
بمعنى آخر هي مطالبة بالتصحيح ورفع سوية الأداء من خلال وضع الوطن والمواطن على رأس الأولويات وهذا يتأتى من خلال استمزاج الرأي العام والأخذ به لكي يصبح المواطن شريكا لاتخاذ القرارات المصيرية وساندا لها. وذلك مطلب جلالة الملك على الدوام. وإذا لم يتم تحقيق هذه الرؤية، نكون أمام حالة معارضة تنفيذية من داخل جهاز الدولة نفسه يكاد يتفرد بها الأردن. ونراها تنفذ ما لا يراه الملك وبعيدا عن رؤاه وتوجيهاته
 
ولا نفتري على الحكومات بما سبق فالشواهد كثيرة ونذكر بإحداها حيث جلالة الملك يوجه السلطة التنفيذية باتجاه التخفيف عن المواطن بينما نرى العكس تماما. فإذا هي معارضة خطرها مباشر على الشعب والنظام والوطن. لذا من مأمنه يؤتى الحذر. فهي معارضة للشعب والوطن بعكس المعارضة التقليدية التي تعارض الحكم وتقف بصف الشعب. وهذا النوع الفريد من المعارضة يفرض وجوده نتيجة تراكمات من الثقة المتواصلة من الحكم بأشخاص ظن أنهم يحققون ما يرمي إليه من طموحات وتطلعات.
 
وهؤلاء بدورهم بحاجة لمن يسندهم عند القيام بمهامهم فتتسع دائرة المنفذين والقائمين على اتخاذ القرار وإرضاء كل لرئيسه يصبح من أهم الأولويات سعيا خلف البقاء وإدامة الكرسي الوظيفي. ثم تأتي مرحلة التنفيع والتقريب والتوريث فيعزز كل وجوده وسلطته حتى لو كان خارج موقع التنفيذ. فقبل مغادرته يكون قد ترك وكلاءه يعملون بنفس الروح وبتوجيه منه فتبقى بصماته ظاهرة وقائمة.
 
وعند السؤال من باب الإطمئنان والتحقق، إن حصل، يصبح السائل أمام جيش ممن يشتركون بالمسؤولية فتصعب الإدانة والوصول لجذر المشكلة ويدعم ذلك التكتل والتوجه المشترك والتناغم بين الفاعلين وإذا بهم قوة ذات نفوذ ومتمركزة من خلال أذرعتها التي تكاثرت بنفس أسلوب صانعها. والسائل يجد نفسه أمام كتلة ممتدة لا تؤمن إلا بمصالحها ومهما كانت النتائج. لكن عندما تتوفر الرقابة الحثيثة والمتابعة بعيون غيورة تنقل الحقيقة كما هي أولا بأول، يسهل اكتشاف الخطأ وتسهل السيطرة وتكون الخسائر طفيفة والتغيير يبدو طبيعيا. والغيور والوطني لن يقرب لإسناده إلا من يتوخى بهم السير على نهجه ويؤمنون بما يؤمن به.
                                                 
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
 
ababneh1958@yahoo.com

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023