القسم : بوابة الحقيقة
الرسالة الملكية للحد من التهرب الضريبي
نشر بتاريخ : 10/7/2017 12:49:01 PM
د هايل ودعان الدعجة



بقلم: د. هايل ودعان الدعجة

أشرت النقاشات وردود فعل الشارع الأردني التي رافقت التسريبات عن نية الحكومة اجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل الى ان هناك حالة من عدم الرضا الشعبي والمجتمعي عن هذا التوجه ، الذي فسر بانه يستهدف تخفيض سقف الإعفاءات الضريبية الفردية والعائلية ورواتب الموظفين بشكل سيزيد من الاعباء المعيشية على المواطن ويثقل كاهله. وان هناك من افترض بان هذا الطرح الحكومي انما يمثل بالون اختبار لقياس رد فعل الشارع وتحديد طبيعة الخطوات والإجراءات التي ستتخذها الحكومة وفقا ذلك ، تماشيا مع الالتزامات المالية والإصلاحات الاقتصادية التي تعهدت بها لصندوق النقد الدولي . وبدا ان الحكومة شعرت بصعوبة الموقف وحراجته وانه لا بد من التعامل مع هذا الملف الضريبي المعقد عبر البحث عن مخارج أخرى من شأنها الاسهام بحل هذه العقدة بعيدا عن جيب المواطن ، الذي كثيرا ما كان يطالبها بضرورة التعاطي المسؤول مع ظاهرة التهرب الضريبي ، التي طالما تسببت بخسائر كبيرة لايرادات الدولة تناهز المليار دولار ، وان حصيلة الإجراءات الاقتصادية التي اعتادت على اتخاذها الحكومات المتعاقبة على حساب معيشة هذا المواطن لزيادة هذه الايرادات ، ربما لم تبلغ في مجموعها حجم المبالغ التي خسرها الوطن جراء التهرب الضريبي . الى ان حانت لحظة الحسم عبر التحذير الملكي خلال لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني برئيس مجلس الاعيان وأعضاء المكتب الدائم ورؤساء لجان المجلس ، بانه لن يكون هناك أي تهاون في قضايا التهرب الضريبي ، وان الحكومة ستقدم مشروع قانون جديد يفرض عقوبات صارمة على حالات التهرب الضريبي بدلا من زيادة الأعباء على المواطن . ما يؤشر الى الانتصار الملكي للمواطن الذي طالما كان يشكل تحسين دخله ومستوى معيشته الشغل الشاغل لجلالته ، الذي عبر عن تأكيده بان الإصلاح المالي يجب ان يوجه لحماية الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود . وهي الرسالة الملكية التي على ما يبدو ان الحكومة التقطتها ، عندما اعلن رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي بان الحكومة ملتزمة بتوجيهات جلالة الملك بمراعاة الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل ، وانه سيتم فرض عقوبات صارمة على قضايا التهرب الضريبي تصل حد السجن دون استبدالها بغرامة . وهي من المرات النادرة التي يأتي بها الرد الحكومي بهذه الصورة التي لا تخلو من التحذير المغلف بالتهديد باتخاذ أشد العقوبات بحق كل من يرتكب جريمة التهرب الضريبي ، لما تمثله من جريمة اقتصادية تمس الامن الاقتصادي الوطني ، واخلال في شروط المواطنة والولاء والانتماء ، باعتبارها فسادا وسرقة ونهبا للمال العام ، وجرحا نازفا في جسم الوطن .

وبهذا الصدد وخلال وجودي عضوا في مجلس النواب السابع عشر السابق ، قمت بتوجيه سؤال الى دائرة الافتاء ، حول الحكم الشرعي في مسألة التهرب الضريبي ، حيث جاء الرد .. بان الامن الاقتصادي الوطني وصيانة المال العام مقاصد شرعية وامانة يجب على الجميع اداؤها والمحافظة عليها ، كما أمر الله عز وجل حيث قال ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ..) ، وان أصحاب الأموال عليهم مسؤولية تجاه المال العام والضريبة ، وهم يعلمون ان الأمانة في حفظها وادائها تساهم في مسيرة الإصلاح والنهضة المنشودة ، فلا يجوز ان يمتنع احدهم عن ذلك .

ما يجعلنا نطالب الحكومة بضرورة تفعيل منظومة مكافحة التهرب الضريبي ، ومتابعة المكلفين وجعل الضريبية تصاعدية على المقتدرين وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي . كتفعيل نظام الفوترة ، وتحديد الجهات التي تلتزم بمسك سجلات مالية ، وتقديم إقرار ضريبي من عدمه ، وتخفيف العبء الضريبي على المكلفين وتوسيع قاعدة التكليف والشمول بالضريبة. وضرورة الغاء حد التسجيل في الضريبة العامة على المبيعات ، واعتبار جميع الشركات التي تمارس أنشطة اقتصادية ، مكلفة باستيفاء هذه الضريبة من اول دينار .  مع التأكيد على ضرورة تشديد الرقابة على الجهات المالية الحكومية التي تتعاطي مع المال العام في ظل وجود بعض مرضى النفوس في بعض هذه الجهات ، المجردين من الضمير والحس الوطني ، الذين يتسببون باضاعة مبالغ طائلة على خزينة الدولة مقابل بيع انفسهم ودينهم وضميرهم بثمن بخس من خلال الرشاوى والعطايا وشراء الذمم .

كذلك فقد أكد خبراء في مجال الضريبة ان مجموع الإيرادات الضريبية عام 2016 من 150 الف من المهنيين والشركات الصغيرة والمتوسطة بلغت حوالي 75 مليون دينار بمعدل من 400 الى 450 دينار سنويا عن كل مهني او شركة وهو رقم متواضع جدا . ومن الأمثلة الأخرى ، انه عندما تم فصل مسؤول المحاسبة في احدى المستشفيات الخاصة ، ذهب الى دائرة الضريبية ووضعها بصورة الأرقام والاتعاب والأجور والمبالغ الحقيقية التي كان يتقاضاها الأطباء والمستشفى ، حيث بلغت اضعاف المبالغ التي اعلن عنها سابقا بكثير .
 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023