بقلم:
المحامي صالح ملكاوي
بعد دخول التعديلات القانونية لقانون
العقوبات الأردني حيز التنفيذ، وبعدما قررت السلطة القضائية إصدار قرارات وأحكام
مغايرة ومخالفة لجوهر وروح النص، فإن ذلك يسبب زعزعة ثقة المواطن في الأمان
التشريعي والقانوني والقضائي، والذي سينعكس أثره على الأمن الاقتصادي والتعاملات
التجارية والقطاعات الأخرى.
وحيث إن
التشريع والقانون هما الركيزة والبنية القوية التي يستند إليها المواطنون أجمع في
تعاملاتهم الحياتية، وبغض النظر عن طبيعة القطاع والتعامل، فهما أيضًا مظلة أساسية
للعجلة الاقتصادية في مختلف القطاعات، والتي إذا اختل أحدها سيؤثر على الآخر
بطريقة أو بأخرى وبشكل مباشر.
وبالتطرق إلى الموضوع الذي كان محورًا
لحديث الشارع في الآونة الأخيرة، وكان سببًا في التأثير على العجلة الاقتصادية
بشكل مفاجئ، وتسبب في اختلال وزعزعة الأمن المالي والاقتصادي، وكان له أثر مباشر
في زعزعة الثقة بالمشرع والتشريعات.
ومع تعديلات قانون العقوبات الأردني رقم
(16) لسنة 1960، التي تمت بتاريخ 24/5/2022، ويعمل بها بعد مرور 30 يومًا من نشرها
في الجريدة الرسمية، وعليه دخل القانون حيز التطبيق في تاريخ 24/6/2025، ونزع
الصبغة الجزائية عن الشيكات البنكية، منتزعًا بذلك الحماية التي كان يوفرها
القانون لحاملي هذه الورقة التجارية التي كانت تتداول في الأسواق والتعاملات في
شتى القطاعات.
وقد نص القانون
في المادة 421/8 منه على:
"لا تسري
أحكام هذه المادة على الشيكات الصادرة بعد ثلاث سنوات من نفاذ أحكام هذا القانون
المعدل."
وبتسليط الضوء على مضمونها ومحاولة فهمها
وتفسيرها، وإلى ماذا كان يرمي المشرع عندما ذكرها وأوردها في النص:
أولًا: التفسير الفقهي لعبارة "لا
تسري أحكام هذه المادة":
يعني أن أحكام المادة القانونية المحددة
لا تنطبق ولا تُطبق على حالة معينة أو على وقائع معينة.
بعبارة أخرى، لا
تُطبق القواعد والمبادئ التي تتضمنها هذه المادة على الظروف أو الأشخاص أو الأفعال
التي لا يشملها نطاق سريان المادة.
شرح إضافي:
- سريان المادة: يعني تطبيق أحكام المادة على
الوقائع والحالات التي تتوافق مع شروطها.
- عدم سريان المادة: يعني
أن أحكام المادة لا تنطبق على الوقائع والحالات الخارجة عن نطاقها.
أهمية التفسير:
التفسير الفقهي
يوضح المقصود من النص القانوني ويساعد في تطبيقه بشكل صحيح على الحالات المختلفة.
مثال:
إذا نص قانون
على أن عقوبة معينة لا تسري إلا على البالغين، فهذا يعني أن هذه العقوبة لا تسري
على الأحداث، أي الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد. عبارة "لا تسري أحكام هذه
المادة" تعني في هذه الحالة أن أحكام المادة المتعلقة بالعقوبة لا تنطبق على
الأحداث.
ثانياً: بتخصيص هذا التفسير على نص
المادة 421/8 من قانون العقوبات:
فإن التفسير الفقهي لهذه المادة هو أن
الشيكات التي تُصدر بعد مرور ثلاث سنوات من تاريخ نفاذ القانون المعدل، لن تخضع
للأحكام التي كانت تُجرّم إصدار شيك بدون رصيد، وستُعتبر من قبيل المسؤولية
المدنية وليست الجنائية.
بمعنى آخر، لن
يُعاقب القانون على إصدار شيك بدون رصيد بعد هذه الفترة، بل سيتم التعامل معها
كمسألة مدنية تستدعي تسوية مالية بين الأطراف.
وقد بيّن المشرع مقصده بشكل واضح وصريح
لا يحتمل التأويل أو التفسير، بل على العكس، أصاب في ذلك، وكان المغزى من إدراج
هذا البند في نهاية المادة هو:
- إتاحة الوقت للتكيّف: بمعنى
إعطاء المجال للمتعاملين للتكيف مع القانون والنظام الجديد، وإيجاد حلول
مالية آمنة لغايات استدامة الثقة المالية فيما بينهم.
- إعادة النظر في الأحكام (إسقاط
العقوبة): بحيث
إن الفعل، بعد مرور ثلاث سنوات، لن يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون.
- الاستعداد للتغييرات: والتي
تتعلق وترتبط بكافة القطاعات الاقتصادية والتجارية في مختلف مناحي الحياة.
الغاية من تحديد المدة بوضوح لنفاذ
المادة المعدلة:
تشير إلى تاريخ دخول المادة الجديدة التي
تتضمن هذا النص حيز التنفيذ.
الشيكات الصادرة بعد ثلاث سنوات:
يعني أن الشيكات
التي يتم إصدارها بعد مرور ثلاث سنوات من تاريخ نفاذ القانون الجديد لن تخضع
لأحكام التجريم والعقوبات المتعلقة بإصدار شيك بدون رصيد.
ونؤكد هنا أن
القاعدة الفقهية العامة نصت على: "لا
جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، وعليه، فإن إصدار شيك لا يقابله رصيد، أو الحالات الواردة في نص
المادة 421، أصبحت أفعالًا غير مُجرّمة بموجب أحكام القانون المعدل.
إسقاط الحماية
الجزائية:
يعني أن الشيكات
الصادرة بعد هذه الفترة لن تُعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون بعقوبات جنائية (مثل
السجن والغرامة).
المسؤولية
المدنية:
تعني أن أي خلاف
يتعلق بشيكات صادرة بعد هذه الفترة سيتم التعامل معه على أنه قضية مدنية، حيث يسعى
الأطراف لتسوية النزاع ماليًا أمام المحاكم المدنية.
الهدف من التعديل:
- تخفيف الضغط على القضاء في القضايا
المتعلقة بالشيكات.
- تركيز جهود العدالة على القضايا
الجنائية الأشد خطورة.
- تشجيع استخدام الشيكات كوسيلة دفع
آمنة وموثوقة.
- توفير حلول مدنية مرنة لحل النزاعات.
- تخفيف عدد النزلاء في مراكز الإصلاح
والتأهيل.
وعليه، فإن نطاق تطبيق المادة 421 من
القانون، أي تجريم الفعل، ينطبق على الشيكات الصادرة لغاية 24/6/2025، وما بعد هذا
التاريخ تنتهي فعالية هذه المادة ويُصبح الفعل غير مجرّم.
الإشكالية:
هنا نكون أمام قصور في تطبيق جوهر النص
وروحه، الذي أوجده المشرع لتحقيق النتائج المرجوة، وهي:
- إتاحة الوقت للتكيّف.
- إعادة النظر في الأحكام (إسقاط
العقوبة).
- الاستعداد للتغيّرات الاقتصادية
والتجارية.
الفجوة
القانونية:
تتمثل في تجاوز
اللجان القضائية لصلاحياتها، وتعدّيها على الحق التشريعي، إذ منحت لنفسها الحق في
البحث والتحليل وتطبيق النص بأثر رجعي، رغم وجود استثناء وتخصيص صريح في موعد
السريان.
وهذا ما يُحدث
قصورًا تشريعيًا صارخًا، ويزعزع الثقة بالتشريع، ويُحدث خللًا في العجلة
الاقتصادية، خصوصًا وأن لهذه المادة أبعادًا اقتصادية عميقة في مختلف المجالات
والقطاعات.
فالقانون
والاقتصاد يشكلان حلقة متكاملة، وإذا اختل أحدهما ترتب على ذلك أثر جوهري على
الآخر.
الخلاصة:
كان يتوجب على السلطة التنفيذية التأني
والتروّي قبل تفسير وتحليل والبتّ في موضوع تطبيق نص المادة 421 بأثر رجعي، والفصل
في الشكاوى المقامة والمنظورة أمام المحاكم.
كما يجب
الاستعانة بديوان التفسير لغايات إيجاد صيغة تحليلية منطقية ومثالية لتطبيق روح
وجوهر النص، والغاية التي قصدها المشرّع، والتي على أثرها ارتأى تفعيل هذا النص
بعد مرور ثلاث سنوات، وإلغاء الأثر القانوني الذي ترتبه وعدم تجريم الفعل.
ونحن على ثقة بأن الهيئات القضائية
العليا ستعمل على حل هذه التجاوزات، وإصدار قرارات واجتهادات من شأنها تعزيز الثقة
في قضائنا العادل، والتي ستنعكس بشكل إيجابي على الوطن والمواطن.
المحامي
صالح ملكاوي